لا ترعبهم الارتفاعات أيا كانت، يتجاهلون فرضية السقوط وما يترتب عليه من مخاطر، يتمتعون بمهارات عالية ولياقة بدنية يحسدهم عليها صغار السن، يؤمنون بقضاء الله وقدره، غير مبالين بما يمكن أن يحدث في لحظة غفلة، شيعوا رفقاء لهم، ونقلوا بآياديهم آخرين إلى المستشفى، ورغم ذلك يزاولون نفس المهنة بواقعية وحذر.. إنهم أصحاب المهن الخطرة الذين يرتقون عبر سقالات البناء لأعلى المباني أو يصعدون أعمدة الكهرباء والإنارة أو حتى النخيل أو الهبوط نحو الأسفل حتى قاع الآبار. سقط من الخامس وهنا يقول محمد حسن (54عاما) أعمل في تركيب الرخام والحجر لواجهات المباني منذ 30 عاما، وتعرضت للسقوط عدة مرات وخرجت منها سليما، وعملي يتطلب الصعود إلى أدوار عالية قد تمتد إلى سبعة أو ثمانية طوابق من أجل وضع الرخام أو تنفيذ النقش على واجهة المبنى، ورغم ما يحف عملي من خطورة ومنها السقوط، إلا أنني أزاول مهنتي دون الخوف من المجهول.. وقد حدث لأخي ما كنت أخشاه أنا، حيث انزلقت قدماه من الدور الخامس وسقط على الأرض ونتج عنه كسور مضاعفة في الحوض وتهشم في الرجلين، فضلا عن إصابات متفاوتة في أنحاء جسمه، وبقى مدة طويلة في المستشفى قبل أن يترك هذا المجال. تحدي الخوف أما رضى عبدالحي (مقاول بناء) فيقول: تغلبت على الخوف منذ زمن طويل، وكنت في البداية أخشى الصعود إلى الأماكن المرتفعة وأشعر بالدوار كلما حاولت تسلق الأماكن العالية، ومع الأيام تجاوزت هذه المخاوف حتى حدث ما كنت أخشاه وسقط أمامي أحد العمال، ومن تلك اللحظة توقفت عن ركوب السقالات، حفاظا على سلامتي. تنظيف الآبار وإذا كان هناك من يصعد الأماكن المرتفعة لأداء عمله، فإن بدر سفر العرابي، يمارس مهنة الصعود نفسها ولكن للأسفل أي النزول في أعماق الآبار وتنظيفها من الشوائب والأتربة ويروي العرابي قصة دخوله هذا المجال بالقول: عملت فترة من الزمن في تنظيف الآبار في مزرعتنا الخاصة، رغم مخاطر النزول إلى أعماق قد تصل إلى 140 مترا أحيانا، إلا أنني لم أخش شيئا، واستخدم الحبال أو السلالم في النزول إلى جوف الأرض رغم ما يكتنف العملية من مخاطر محدقة وهناك حالات سقوط مميتة. تسلق الأشجار ولازال محمد عبد الرحمن الشمراني (52 عاما) يصعد بين الحين والآخر لأعالي النخل في وقت «تبوير» أو تلقيح النخل، وهنا ذكر الشمراني، أنه يضطر إلى تسلق أشجار النخيل التي يتفاوت ارتفاع بعضها من بين السبعة أمتار وال20 مترا، لتنفيذ مهمة التلقيح، دون أن يخشى السقوط رغم الشواهد الكثيرة، ومنها سقوط لمعارفه نتيجة انقطاع الحبال، ومنهم من توفى ومنهم من سلم وكتبت له حياة جديدة. لقمة العيش ويزاول صلاح المصري، نفس مهنة تسلق النخيل، ويقول: هذه المهنة لا تعترف بعمر معين، وتأتي في إطار البحث عن لقمة العيش التي لا تأتي بالسهل على حد قوله، وأضاف قائلا «إذا بقيت أخشى السقوط، فلن أطعم أبنائي، لكنني أتوكل على الله وأصعد النخلة مهما كان ارتفاعها، فهذه مهمتي وعلي إنجازها. ضغط عال وتعد مهنة تمديد أسلاك الكهرباء في أبراج الضغط العالي من أكثر المهن خطورة على وجه الأرض، ويؤدي «رمزي عبدالله» هذه المهنة منذ مدة، حيث يصعد إلى أعلى العمود عبر سلم خاص غير آبه بمخاطر التعرض لصعقة كهربائية مميتة. ولا يخفي رمزي خشيته من التعرض للموت الأكيد وسط غابة من الأسلاك المكهربة، إذ قال: مهنتي تملي علي التعامل مع هذا الخطر وأن الخطورة لا تقتصر فقط على أسلاك الكهرباء، وإنما أيضا في الصعود لأعلى العمود الكهربائي وتمديد الأسلاك أو إصلاح التالف منها. وزاد: الأمر الأكثر خطورة هو التعامل مع أبراج الضغط العالي، فلو سلم الإنسان من الصعود للعمود أو البرج فلن يسلم من وجود التيار الكهربائي، والحقيقة أن كل يوم أنزل فيه من عمود الكهرباء وأعود إلى أسرتي هو ميلاد جديد بالنسب لي». المنشار القاتل ويتعامل فوزي مصطفى أحمد (نجار) مع منشار الخشب الكهربائي الذي لا يقل خطورة عن مخاطر التسلق أو النزول لأعماق الأرض، ويصف (فوزي) عمله بالمهنة الأكثر خطورة على وجه أرض. ويضيف: نتعامل مع نشار يدور بسرعة كبيرة بأيدينا العارية من الحماية وبصورة قريبة جدا من أسنان المنشار الحادة، ومنا من فقد كف يده أو بعضا من أصابعه نتيجة لهذه المهنة. بتر كف وهنا يذكر عمرو ياسر فتحي (48 عاما) قصة صديقه (وهاج) الذي فقد كفه اليمنى في لحظة فقدانه للتركيز لثوان معدودة، وقال:كان وهاج عاملا مميزا يتعامل مع الخشب بحرفية عالية، وكان دائما يرفض الحديث أو النداء عليه بصوت عال أثناء قيامه بالعمل بحجة التركيز» وزاد «كان ذات صباح مشغولا في نشر أخشاب متعددة الأشكال، وكنت وقتها أقف أمام باب المنجرة، عندما أتى زبون ونادى بصوت عال، فما كان من صديقي وابن عمي (وهاج) إلا أن التفت إليه فجأة ونسي وجوده بجوار المنشار الكهربائي، ومع التفاتته انحرفت يده فقص المنشار كفه اليمنى وسقط (وهاج) مغميا عليه، نقل على إثرها إلى المستشفى وحاول الأطباء إعادة الكف المفصولة دون جدوى، ففقد رفيقي كف يده منذ ذلك الوقت واضطر لترك العمل وتحول لبائع خضراوات».