لم تثر منال الشريف أية ضوضاء، ولم يلتفت إليها المجتمع أو تجتذب دائرة تركيزه واهتمامه عندما حققت أكبر إنجاز للمرأة السعودية ونالت شهادة الاختراق الإلكتروني الأخلاقي من المجلس العالمي لمستشاري التجارة الإلكترونية. مستشارة أمن المعلومات في شركة أرامكو السعودية المهندسة منال مسعود الشريف، ليس اسما طارئا في واجهة الإعلام والصحافة المحلية، فقد طارت إليها كثير من وسائل الإعلام لتحتفي بتلك الفتاة العصامية الناجحة، والتي رفعت اسم وطنها عاليا لتكون أول امرأة سعودية متخصصة في مجال أمن المعلومات، وكانت «عكاظ» من أوائل الصحف التي أبرزت شخصيتها، حين أجرى معها الزميل صالح الفهيد مقابلة خاصة قبل نحو ست سنوات، واسترسلت منال في الحديث عن شغفها بالإنترنت ومجال حماية المعلومات، وعن طموحها الجاد في وضع برنامج لحماية المؤسسات الرسمية وغير الرسمية من تطاول العابثين. غير أن مثار الاستغراب الباعث للألم، أن منال حينما قررت ممارسة ما تراه حقها الشخصي من وجهة نظرها في قيادة مركبتها الخاصة، صارت حينها حديثا على كل لسان، واجترأ عليها بعض المتطاولين ممن لا هم لهم غير الخوض في المواضيع السطحية، والانشغال بالقضايا التافهة، ومن لا يعرف لهم الوطن اسما ولا إنجازا، حتى طاب لبعضهم أن يتجاهل كل إنجازاتها الرفيعة ويختزل اسمها ب(سائقة الخبر). ولعل من المفارقة أن أشارت منال ل«عكاظ» قبل ست سنوات إلى مثل هذا السلوك المستهجن، فقالت «ما يحزنني هو أننا لم نستفد بعد من تقنية الإنترنت، وتكفي الإشارة إلى أن المواقع العشرة الأكثر زيارة من قبل السعوديين هي مواقع (الدردشة) وما شابهها من المواقع ذات الاهتمامات السطحية، أما مواقع المعلومات والتعليم والمعرفة فالزيارات لها شبه معدومة، ولا يزورها إلا قلة». ومن المفارقات أن يتهم بعض الموهومين بالصراع والمهووسين بالحديث عن «المؤامرة» خبيرة أمن المعلومات التي مارست مجرد حق شخصي، بالسعي إلى «تغريب المجتمع»، في حين كرست منال حياتها المهنية لتطوير قدرات وطنها المعلوماتية والأمنية، سعيا إلى استقلاليته وعدم اعتماده على البرامج المستوردة، وقالت في حديث صحفي آخر نشر قبل نحو ست سنوات ما نصه «معظم أنظمة الحماية المستخدمة مستوردة من الغرب، وحان الوقت لأن نكون ضمن صفوف المطورين وليس المستخدمين فقط». يبدو جليا أن منال الشريف قد أدمنت الصدارة في مجتمع لم يستوعب أفكارها تماماً، فبعد أن نالت المركز الأول في اختبارات شهادة الثانوية العامة على مستوى منطقة مكةالمكرمة، وبعد أن حصلت على مرتبة الشرف في علوم الحاسب الآلي من جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، إضافة إلى كل ما سبق ذكره من إنجازات رائدة في المجال المهني، أرادت كذلك أن تكون أول امرأة تصطدم بممانعة لطالما آمنت أنها غير منطقية وغير مبررة، لممارسة ما تراه أبسط حقوقها الشخصية في قيادة مركبتها، مع تأكيدها قبل ذلك وبعده أنها أشد حرصا على صيانة «الأمن» والالتزام ب«الأنظمة»، غير أن مشكلتها القديمة المتجددة هي محاربة «الكراكرز»، وهو ما كانت تعبر عنه بوضوح في قولها «بصراحة مشكلتنا ليست في القوانين ولكن في صعوبة تعقب «الكراكرز» والتعرف عليهم، فما نحتاجه هو تطوير قدرات التعقب للوصول إلى المخربين، أما القوانين والأنظمة فهي موجودة».