«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا. كان حلمه أن يصبح طبيبا يداوي جراح المرضى والمنهكين ولكن حلمه تحقق له بشكل آخر فأصبح يعالج مرضاه في عيادته.. عفوا في برنامجه «لست وحدك» الذي شرع نوافذه لحل الكثير والكثير من مشاكل العنف الأسري والديون والتحرش الجنسي والبطالة وغيرها. تحدث عن آماله وآلامه، سمع صرخات الآخرين وتفاعل معها، وهنا في «عكاظ» كان يوجه صوتا نادى به الميسورين وأرباب المال لفتح أبواب للخير من خلال تبرعاتهم للمحتاجين الذين يطرقون أبواب برنامجه، إنه سعود الجهني، فإلى تفاصيل الحوار: • ماذا حملت معك إلى جدة وماذا تركت في مكة؟ حملت الأمل والحلم والعصامية وتركت ذكريات الزمان والمكان حاضرا في قلبي، والطريق لم يكن مفروشا بالورود فقد تدرجت في العمل الإعلامي من صحافي إلى مذيع في التلفزيون ثم استقر المقام في الإذاعة. • ما الحدث الذي وجهك إلى الإعلام؟ كان حلمي أن أكون طبيبا وتحقق لي بشكل آخر. • الصحافة الورقية بداية مذيعين لامعين ما دورها في بداياتك؟ هي المرتكز الأساس عملت فيها بجد مع أساتذة وجهوني وعلموني الصبر والمهنية. • «لست وحدك» يبعث نور الأمل بمجرد ذكر اسمه من صاحب هذا الاسم؟ كانت فكرة لدي من سنوات، جاء الوقت لتصبح حقيقة تلامس هموم الناس، أصبح همزة الوصل التي تربط بين الفقير المتعفف وبين أصحاب الأيادي البيضاء، أنا أعتبره بصيص أمل وسط البرامج الصاخبة عبر القنوات الفضائية التي لا يحمل بعضها أي مضامين هادفة نحاول من خلاله أن نغير مفاهيم خاطئة في المجتمع. • ملامسة هموم الناس ومشاكلهم، ما الطريقة التي يتم من خلالها معالجة القضية المطروحة عليك في البرنامج؟ نحن جسر تواصل بين أبناء المجتمع الواحد ننشر ضوء الأمل في النفوس المنكسرة والقلوب الرحيمة، يقول عز وجل «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون»، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه». في هذا السياق يأتي الإحسان إلى عباد الله في تنفيس كربهم وتفريج ضوائقهم ورفع الشدائد عن كواهلهم، من هنا جاء البرنامج مواكبا لجهود الدولة في البذل والعطاء والصدق والوضوح أساس أي عمل يريد أن يحقق من خلاله إنجازات حقيقية لا أعمال هامشية يتم الادعاء بأنها أفضل الأعمال على مستوى العقل البشري ومن باب تجميل الواقع أو أنها أعمال خارقة، نحن لدينا أخطاء، لدينا ممارسات خاطئة في التركيبة الاجتماعية والأخلاقية والوظيفية ومؤسسات المجتمع التي يجب أن تقوم بدورها لذلك، وكما طلب خادم الحرمين الشريفين من الجميع أن يتقوا الله في أقوالهم وأعمالهم وأن يتصدوا لمسؤولياتهم بوعي وإدراك وألا يكونوا عبئا على دينهم ووطنهم وأهليهم. • هل في رأيك يوجد لدينا إعلام حر يطرح قضايا الناس ويساهم في حلها؟ نعم في زمن الشفافية والمصارحة والعالم المفتوح ولكن بمهنية صادقة بعيدا عن الإثارة وتصفية الحسابات. • السكوت عن المشكلة هل هو طريقة نافعة لمعالجتها؟ الحق يعلو ولا يعلى عليه ونحن في كل حلقة نحاول إزاحة الحجب والسواتر التي يصر البعض على إسدالها فوق متاعب الناس ومعاناتهم في كثير من الأمور، وللأمانة لا زالت بيننا ضمائر حية ونماذج مشرقة تبادر على تلمس حاجات الناس وتقف إلى جانبهم، وفي المقابل هناك من هو مستمر لا يرى لا يسمع ولا يتكلم وهؤلاء هم أعداء التنمية داخل المجتمع، من هناء جاء الحرص على رفع سقف حرية الطرح في الإعلام وولي الأمر هو الذي طالب مرارا الجميع في ممارسة دوره في كشف الحقائق وتشخيص الفساد ومحاربته. • أبواب بعض المسؤولين مغلقة هل نجد مفاتيحها بحوزتك؟ باب الله مفتوح للسائلين، أما البعض فقد اقفل بابه وعقله، البرنامج حظي ولله الحمد بتفاعل كافة أطياف المجتمع وتجاوب المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال وفاعلي الخير مع الحالات الإنسانية، وجاءتنا ردود أفعال من خارج المملكة واتصالات من دول الخليج والأردن والسودان واليمن وسورية، وما تناولته الصحافة ووسائل الإعلام والصحف الإلكترونية والفيس بوك. • في ظل الإعلام المفتوح، هل ترى أن هناك نسبة من الناس ما زالت متابعة للإذاعة؟ هناك شريحة كبيرة تتابع الإذاعة والإذاعة السعودية تطورت كثيرا بجهود مسؤوليها وكوادرها والبرامج الجادة شدت الناس، وبرنامج «لست وحدك»جذب الانتباه إلى الإذاعة من جديد. • محتجز في دوامة الحزن هل للحزن جذور في داخلك؟ أنا كلي حزن، وأحزان القلب الذي أنفطر لم أعد أدري متى ستنتهي فما أشق على النفس الحزين أن تفقد لمحة سعادة، وما أصعب أن تظن أنك ملكت سر الحياة السعيدة. أما نفوس البشر فقد وطنت نفسها على أن تجرح وتؤلم والنفس التي تهفو للحب وتطمع في الحنان ما أسهل أن تقفز وتسامح. • برنامجك هل سيبقى وحده في عزلة عن عالم الفضائيات؟ أنا من خلال البرنامج أحاول أن أقدم شيئا للفكر والإنسان وللروح الضمأى للأمان ليكون بالتوازي مع جانب المساعدة التي تقدم من أهل الخير وفي النهاية جزء من هذا العالم المفتوح. • ألا ترى أن الإذاعة أصبحت للتسلية والترفيه أكثر من طرحها للمواضيع الجادة؟ الحياة ليست كلها ترفيها والإذاعة فيها المنوع والجاد ولكل مذاقه أعود وأقول إن برنامج «لست وحدك» حقق التفاعل بين أفراد المجتمع وأسهم في إنقاذ الكثير من الحالات الإنسانية التي ظهرت على الهواء، مثل الأيتام والمعوقين والأرامل وأسر السجناء والمرضى والأسر الفقيرة والحالات المعنفة وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى إلحاق الكثير بالضمان الاجتماعي الذي تقدمه الدولة، فكم من كلمة أنقذت إنسانا من الضياع أو موقف يفيض بالحنان يعيد الإنسان للحياة حتى ولو لم يجد الإنسان هذا العطاء وهذا الحنان واللفتة الإنسانية. • مستمع فعال في دائرة عملك فكيف أنت خارجها؟ أبحث عن الجديد وأحاول أن أقدم فكرا راقيا. • مجال عملك ما أثره على حياتك اليومية سلبا وإيجابا؟ أثر كثيرا على نفسيتي وأصبحت مهموما في عملي ليل نهار بمتابعة الحالات التي تدمي القلوب وهي من صنع البشر. • الإذاعة المحلية بداية إشراق شمسك كمذيع فهل ستكون هي محط غروبك؟ من يحب عمله لا بد أن يضحي ولا أجد نفسي في غيره، من يدري فالمستقبل بيد الله. • متى سنرى برنامجا يشهر بالمتلاعبين في ظل شفافية سياسة خادم الحرمين الشريفين؟ هذا البرنامج هو نبض الوطن الحقيقي ونحن لا نتحدث في البرنامج إلا بدافع وطن دون تسلق أو تملق على حساب المصلحة العامة الوضوح والشفافية هي شعار البرنامج المبني على المصداقية، وحق المواطن في الاطلاع على كل ما من شأنه أن يمس مصالحه وهذا دور الإعلام ورسالته، وإذا أخلصنا النوايا لن نجد ما يبرر التشهير بالمتلاعبين. • سعود يسمع صرخات الناس.. إلى من تسمع صرخاتك؟ اسمع صرخاتي لله عز وجل ثم لكل ضمير حي. • ما الذي يدخل الفرح إلى قلبك وتعبر به كلماتك؟ عندما نسعد المحزون أو نقف بجانب المظلوم وعندما يتفاعل أهل الخير مع الحالات الإنسانية عندما أرى هذه الملحمة الرائعة التي تبهج النفس، وهذا التكاتف بين أبناء المجتمع باختلاف مناطقهم وشرائحهم كالجسد الواحد يشد بعضه بعضا ندعو للخير والمحبة بين الجميع. • مواقف أثرت في سير حياتك؟ الحياة كلها مواقف يتعلم فيها الإنسان الدروس. • سمعنا قضايا إنسانية كثيرة طرحت من خلال البرنامج، تحدث لنا عن أصعب حالة مرت عليكم، وكيف تمت معالجتها؟ كثيرة هي القضايا والمآسي التي نبكي منها داخل الاستديو: التفكك الأسري، الإدمان، الظلم، التحرش الجنسي، انتهاك المحارم، هروب الفتيات، اللا مبالاة من بعض المسؤولين. وقد حفل البرنامج بالعديد من القصص الحزينة والقضايا المؤثرة التي طرحت معاناتها على الهواء مباشرة وبكل شفافية منها قصة الفتاة رانيا التي تهيم في شوارع جدة بعد أن طردها إخوانها وتعرضت للمضايقات والتحرش بها وسرقة حقيبتها، ومعاناة أحد السجناء المحكومين بالقصاص وتنازل أهل الدم عنه، والمرأة التي قتل أولادها بعضهم بعض بسبب الإدمان الذي تعلموه من والدهم، والفتاة القاصر التي تعرضت للتحرش من أخيها وكثير من القصص المحزنة التي يتناولها البرنامج كل أسبوع على الهواء وتحظى بتفاعل كافة الأطياف من شرائح المجتمع وبتجاوب عدد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال وفاعلي الخير مع الحالات الإنسانية. • ما هي السلبيات والإيجابيات التي تواجهونها؟ نحاول تلافي السلبيات في كل حلقة ومن الإيجابيات أنه حقق التفاعل بين أفراد المجتمع. • متى سيتوقف البرنامج؟ الله أعلم. • هل هناك دعم خارجي للبرنامج؟ هناك مبادرات من فاعلي الخير والمحسنين وأبناء الوطن في مساعدة المحتاجين، وهذه من إيجابيات البرنامج أن يعمل على تفعيل التكافل وعمل الخير بين الناس، إضافة إلى ما تقدمه الدولة والجهات الاجتماعية من دعم للمواطنين. • هل وصلتم في برنامج «لست وحدك» للهدف المنشود؟ لازلنا في بداية الطريق وأتمنى أن يتحقق التكافل بين الجميع وأن تكون لدينا قاعدة معلومات كاملة عن كل حالة ومتابعتها ودراستها بالتعاون مع الجهات المختصة؛ حتى يكون عملا موحدا يستفيد منه الجميع ويقضي على كثير من السلبيات. • ما هي أكثر الحالات ورودا على البرنامج؟ منوعة، لكن أكثرها العنف الأسري، الديون، تراكم الأقساط، عدم وجود سكن، قلة الوظائف والعاطلين عن العمل وأغلبهم من خريجي وخريجات الجامعة السعودية. • اذكر لنا أحد المواقف المحرجة التي مررت بها؟ عندما يبدي بعض فاعلي الخير برسالة نصية على البرنامج استعدادهم المساعدة ثم تبحث عنه لا تجده وهذا يضعك في حرج مع صاحب الحالة، أو مسؤول تطلب منه الرد على الحالة ثم تجده يتملص من الإجابة أو يقفل هاتفه. • ما هي الأمور التي تزعجك من المتصلين؟ الإطالة في الشرح، الاستجداء المادي لمبالغ طائلة، اعتقاد إن الإذاعة تقوم بدفع هذه المبالغ وهذا خطأ فادح، الكذب وإعطاء معلومات مغلوطة، إرسال تقارير وهمية لبعض الحالات المرضية وغيرها من أساليب الشكاوى الكيدية. • متى يذرف سعود الجهني الدمعة؟ كثيرا ما نسترسل مع الحالات نعيش المشكلة بكل تفاصيلها ينتابنا حزن شديد ولا تمر حالة فيها ظلم أو مرارة إلا وأبكي. صدقني أخرج بعد نهاية كل حلقة وأنا في حالة نفسية سيئة أقول لماذا هذا يحدث، لماذا القسوة والمعاناة، وأبكي كثيرا على معاناة نساء لا أحد يدري عنهن، لا يقدرن على البوح، لا تجد من ينصفها حتى من أقرب الناس لها. • هل هناك بعض المقترحات لتطوير البرنامج؟ لدينا فريق عمل ولجنة متخصصة لتطوير البرنامج بدعم من مدير عام الإذاعة، بالإضافة إلى مقترحات جميلة تأتي من المستمعين والمستمعات نأخذ بها وننفذها في كل حلقة. • اعتذار العديد من المسؤولين عن الحضور أو الرد على المواطنين، كيف تكون ردة فعلكم؟ أمر محرج ومؤلم في نفس الوقت، لهذا تركنا المجال للمستمعين والمستمعات لطرح ما لديهم بكل شفافية بعدها ترسل هذه الشكاوى للمعنيين، ومن ذمتنا لذمتهم. • رسائل لمن توجهها؟ * رسالة لمعالي وزير الثقافة والإعلام ولوكيل الوزارة لشؤون الإذاعة ومدير عام إذاعة جدة، شكرا على دعمكم هذا البرنامج ،هذا الدعم كسر الحاجز الوهمي الذي وضعه البعض لحجب الأصوات ووضع مساحة مشرعة من التحرك لصالح العمل الإنساني. * رسالة للأسرة (الأب والأم والأخ والأخت) من واقع الحالات التي نعايشها: لماذا القسوة، لماذا الظلم، لماذا التفكك في العلاقات، الدين المعاملة، علينا أن نتقي الله في أنفسنا وفي أهلينا، هل يعقل أن يعتدي أب على بناته وزوج على زوجته وأخ على أخيه أو أخته. * رسالة لمن يهمه الأمر: كيف يهنأ مسؤول بالنوم وهناك مظلوم، أين السماحة، أين الحب، أين القدوة في الإسلام، ولي الأمر يأمر والآخر يعطل. * رسالة إلى أهل الخير ورجال الأعمال: لا بد من تكاتف الجهود وبذل الكثير من الدعم، المجتمع لا يمكن له أن يكون في كامل عافيته إذا لم يطبق مفهوم «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» الله الله أيها الأجاويد في هذا الوطن الغالي، لا تفوتكم الفرص الذهبية فاستغلوا هذه النعم لإسعاد إخوانكم، لماذا نرى أموالنا تهاجر ومؤسساتنا تدار بأيد غير سعودية (الأقربون أولى) وحتى نستمر جميعا بالحصاد والبذل والعطاء لا بد من تكاتف الجهود، وهذا لا يتسنى إلا بأياد بيضاء سخية وقلوب رحيمة تؤرقها الدمعة وتؤلمها الأنة من صدر مكلوم ومحتاج. * رسالة للمحاكم: لا بد من التعجيل بالمحاكم الأسرية وإيجاد فرق تطوعية من المحامين للدفاع عن المظلومين وأصحاب الحاجات والجاهلين بالقوانين والتعليمات. * رسالة إلى المديرية العامة للسجون: لابد من تفعيل لجان متابعة السجناء والدفاع عنهم والاهتمام بأسرهم حتى لا يتعرضوا للضياع. * مستمعوا برنامج «لست وحدك»: شكرا لكم ولدعمكم وعاطر ثنائكم، سيظل «لست وحدك» إن شاء الله أكسجين الحياة في زمن فيه العدالة بين بشر تختنق ليست قانونا غاب وإنما تغييب قانون بل قوانين بفعل وحوش تحمل أسماء بشر.