تتجلى بوضوح أسفل الرواق العثماني في الحرم المكي وضاءة وجوه متقاعدين وموظفين ومتسببين من داخل العاصمة المقدسة وما حولها من قرى وهجر وحارات آثروا دخول الجو الروحاني على الركض الدنيوي والانشغال الهامشي وإهدار الأوقات. المشهد الآسر يستوقفك بمجرد أن تدلف إلى توسعة الملك فهد الداخلية والرواق وصحن المطاف لحلق التعليم التي تحاصر كراسي أصحاب الفضيلة مدرسي الحرم المكي التي تنتشر مساء بشكل مكثف. «رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله» وجدنا أنفسنا نردد هذه الآية ونحن نعيش نفحات الإيمان وطيوب الفقه وأريج التفسير وعبير الحديث، حيث تبرز الهمة والجلد في طلب العلم لرجال تجاوزوا الخمسين من العمر منهم متقاعدون وموظفون ومتسببون اقتطعوا ثمين أوقاتهم المسائية لحضور دروس الحرمين. يقول أحدهم طلب منا تجاهل اسمه: سبعة أشهر عمر تجربتي الجديدة في حلقات التعليم في الحرم المكي يكفي أن أصورها لك بأنني أشعر أني في «جنة الأرض» آيات تتلى وروحانية تشترى وراحة تبلل قلبك وتغسل هموم الدنيا وعلم ينتفع به وحضور بقلب راغب فيما عند الله جعلني أداوم على جلسات الذكر بل إنني وفقت في اصطحاب أخي وزملاء وجيران حولنا لقاءنا في استراحة إلى لقاءين في الأسبوع ما بين المغرب والعشاء وهي مواعيد لا يمكن أن أفرط فيها. صالح الهذلي متقاعد من وزارة الشؤون الاجتماعية يقول: تجربة ممتعة وحياة مطمئنة عشتها في رحاب الحرم المكي وأنا أسحب ركبتي أمام مشايخ الحرم المكي حيث تتناثر فوائد عظيمة أسعى إلى أن أطبقها بمجرد سمعها على نفسي من بوابة تهذيب الروح وتفريغ القلب بما هو خير، ولقد شعرت أن هذا انعكس إيجاباً على نفسي بل وأن همة التعليم اشتعلت جذوتها من جديد بعد أن تجاوزت الستين من العمر فاستبدلت جلسات الاستراحات اليومية بشراء كتاب في التفسير أو السيرة أو الأعلام أو الحديث بحيث يكون لي زاد يومي. ويحتضن الحرم المكي عددا كبيرا من الدروس الدينية وتظل حلقة الشيخ عبدالرحمن العجلان ويحيى المدرس وأعضاء هيئة كبار العلماء في مواسم الصيف ورمضان من أوسع الحلقات، حيث يموج صحن الطواف بمؤثرات صوتية تحمل أصوات المدرسين وتتولى إدارة التدريس آلية متابعة وتنظيم حلق التعليم وتسجيلها وتجهيزها بمكبرات الصوت، ومن ثم حفظها فيما أنتجت حلق التعليم أكثر من 100 ألف مادة مسموعة تحتفظ بها مكتبة الحرم المكي.