بدعوة مشتركة بين مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام، وبين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، عقدت حلقات نقاش مختلفة، ولشرائح متعددة من المجتمع، حول مستقبل التعليم العام في المملكة، وكان من شروط الحلقة، ألا نناقش مشكلات التعليم الحالية – ما شاء الله، وكأن تعليمنا قد وصل إلى أعلى مستوى في العالم – بل علينا أن نترك الواقع بآلامه وسلبياته، ونُحلِّق بعيداً عن الرؤى والأحلام المستقبلية للتعليم، فقد كان أول سؤال في المحور هو: ماذا تتمنين من التعليم مستقبلاً، ولا أعلم هل الهدف من هذه الحلقة النقاشية هو التنفيس حتى تخف حدة الضجر، كنوع من العلاج النفسي للمواطن..؟! فكم من مؤتمرات وندوات، وبعثات وأبحاث نوقشت بها مشكلات التعليم، ووضعت التوصيات والرؤى المستقبلية، وكم أنفقت عليها من أموال طائلة من سنوات وسنوات، لو وظفت في إصلاح التعليم لكان تعليمنا رائداً للتعليم العالمي. ومع هذا دعونا نتنفس ونحلق بعيداً مع الأحلام، لعل فيها تخفيفاً للانفجارات النفسية، ولعل تلك الجهات المسؤولة أصبحت قادرة على الأقل على تعبير الرؤى، فتعمل على تحقيقها أو تفسيرها ولو في الأحلام – أيضاً -. في مدرسة الأحلام رأيت الجميع يحلم بمدارس يسودها نظام الحب، والمودة والإخاء، بين المدير والمعلم، والطالب والمستخدم، حيث يعمل الجميع بروح الفريق الواحد، شاهدت الطلاب يهرعون إلى المدارس صباحاً والبسمة تعلو وجوههم، والشوق إلى المقاعد الدراسية يسبقهم، ورأيتهم وهم ينصرفون ودموع الفراق تبلل صدورهم، ولكن كانت بسمة الأمل تعود لتكسو ملامحهم الغضة، لأنهم على يقين بأنهم سيلتقون في صباح اليوم التالي بمعلمهم المربي الحنون الحازم، الذي لا تفارق البسمة شفتيه، وإذا أخطأوا ربت على أكتافهم موجهاً إياهم بصدق وحزم نحو الصواب. في مدرسة الأحلام يجلس الطلاب على مقاعد دراسية راقية مستقلة، تحفظ للطالب خصوصيته وكرامته، وتحفظ صحته، إذ يتنفس هواء صحياً نقياً، لا أن يستنشق الطلاب بعضهم أنفاس بعض، فتنتقل الأمراض بينهم. في مدرسة الأحلام لم يعد الطالب يقضي معظم وقته حبيس الفصل والمقعد، وصوت الأستاذ يصب المعلومات في أذنيه صباً، والنعاس يداهمه رغماً عنه، بل ها هو في ساحة المدرسة الفسيحة ذات الأشجار المتنوعة، والأزهار الملونة، والفراشات المحلقة، والحيوانات الأليفة، التي يمكن أن يفيد منها في دروس العلوم والفيزياء والكيمياء.. وتلك العروض الشيقة الإلكترونية والمسرحية في دروس اللغة العربية والدين والجغرافيا والتاريخ، إنه يزور العالم في ساعات معدودة، ويتعرف على عواصمه، ويعرف ثقافات الأمم بالصوت والصورة، إنه ينتقل إلى اليابان ويدخل مدارسها، ويرى فصولها الدراسية، وطريقتها التعليمية، ويرى طلابها وهم يستخدمون المكتبة الإلكترونية.. فيشفق عليهم من هذا التأخر التكنولوجي، ويتمنى لو أنهم يزورون مدرسته مدرسة الأحلام، وما وصلت إليه من تقدم. ها هي المعلومات تنساب إلى عقله، لتقبع به آمنة مطمئنة، فقد اندحر نظام تبخر المعلومات، فقدرات الطالب ومهاراته في تنامٍ واضح، وتمكُّن مُحكم ومُدرَّب، فلن يقلق بعد اليوم من امتحانات القبول والتحصيل، وسيودع إلى غير رجعة اختبارات الحظ (اختبارات شختك بختك)، لأنه بات مدرَّباً منذ الصغر على تلك الامتحانات، فلا مكان اليوم للجشع التجاري، الذي يستغل رغبة الأهالي في اجتياز أبنائهم لتلك العقبات، التي تقف دون التحاقهم بالجامعات. مدرسة الأحلام تشكر أقلام الكتاب التي أرهقت من كثرة الكتابة عن مشكلات القبول والالتحاق بالجامعات، وتدعوهم إلى حفل اختتام هذه المقالات، وإسدال الستار على هذه الحقبة الزمنية التي ضاع فيها كثير من أبنائنا المبدعين، الذين كانوا ضحية تجارب فاشلة غير مدروسة، فخسر المجتمع ثُلة من المخترعين والبارعين، الذين حكم عليهم النظام التعليمي البائد بالفشل، وتركهم يهيمون في أودية الفراغ النفسي المظلمة، فمدرسة الأحلام قد هيأت كل طالب ليتصدر مقعداً في الجامعة التي يرغب، والتخصص الذي يُحب. مدرسة الأحلام استطاعت بكفاءتها التعليمية أن تقضي على الواسطة، وعلى فيتامين واو، فالتعليم والإبداع هما ورقة الطالب المعتمدة للدخول إلى الجامعة. عفواً... قد انقطع شريط الأحلام، لأن مساحة المقال لا تحتمل أكثر من ذلك، تصبحون على خير، وسنكمل الأحلام في المقال القادم –إن شاء الله-.