صديقي رجل مسالم، وأكاديمي ناجح، قابلته ذات مساء حزينا محطما يشكو جور من أسماهم «أصدقاء» وتجنيهم عليه، مندهشا من افتراءات بعضهم بإطلاقهم شائعات كاذبة لا تصدر إلا من قلوب مريضة! حاولت جاهدا التخفيف من آلامه النفسية وصدمته فيمن كان يعدهم أخوة وزملاء، سردت له عددا من الأقوال والأمثال المأثورة في هذا المجال، وأن معاناته ضريبة منطقية لنجاحه وتميزه،لأن الشجر المثمر هو الذي يرمى بالحجارة، وأن يترك القافلة تسير ولا يلتفت خلفه، وألا يلقي بالا لمذمة قد تأتيه من ناقص،فهي شهادة تحسب له، لا عليه، وبأن كل ذي نعمة محسود، وعليه التعايش مع هذا الحال، والنظر إليه من زاوية إيجابية باعتبار حسد هؤلاء نعمة له! وفي هذا السياق؛ يصر أحد الكتاب على إن الحسد نعمة دائما! لأن الناس عندما يحسدونك على نجاحك وأخلاقك، وعلى احترام الآخرين وتقديرهم لك... وغيرها، فكلها أشياء جميلة لديك تحسد عليها، ولو كانت هذه المزايا غير موجودة بك لما حسدوك أصلا. وهم بذلك يرفعوك بحسدهم. وبتناقل أخبارك بينهم تصبح الأفضل لدى الجميع بسبب حسدهم، ولولا حسد الناس وغيرتهم لما تفوق أحد بعد إرادة الله تعالى. ويذكر الإمام الغزالي بأن الحسد لا يكون إلا على النعمة، ويكون مذموما إذا تمنى العبد زوال النعمة عن المحسود، أما إذا تمنى أن يكون له مثل أخيه ولا يتمنى أن تزول النعمة عنه، فهذا حسد محمود ويسمى غبطة. وتشير الدراسات النفسية إلى إن الحسد عبارة عن إسقاطات نفسية على الفشل في تحقيق طموحات معينة، أو الوصول لمراتب أعلى يعتقد البعض بأنهم أحق بها من غيرهم، وهو ما يسهم في التنافس السلبي بين أفراد المجتمع لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية بوسائل غير مشروعة، مما يفرض تكاتف مختلف مؤسسات المجتمع لتكوين الشخصية السليمة للفرد، وغرس القيم الإيجابية والتسامح، والنزاهة المواكبة للتنافس الإيجابي لتحقيق أهداف الفرد والمجتمع. إن ما تعرض له صديقي، ويتعرض له الكثيرون هو أحد الصور المقيتة للحسد، وتمني زوال النعمة عن الآخرين، لكنها نعمة ومكسب في الوقت نفسه؛ ذلك أن الحاسد يعيش في قلق دائم، وترقب لكل تفوق يحرزه الآخرون، كما إن الحاسد يحترق داخليا لشعوره الدائم بالنقص والغبن وهو يشاهد إبداعاتهم أو تفوقهم، في الوقت الذي يعجز فيه عن التفوق عليهم، ناهيك عن مجاراتهم، إضافة إلى إن مواقف هؤلاء تظهر حقيقتهم على الملأ مهما حاولوا إخفاء مشاعرهم خلف الأقنعة! كلمة أخيرة: وأصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله.. فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. * جامعة الملك سعود كلية التربية [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 272 مسافة ثم الرسالة.