كانت الأزمات القلبية في العقود السابقة تداهم كبار السن بعد 60 عاما فأكثر، أما الآن فاختلف الحال وانقلب رأسا على عقب عندما بدأت طوارئ الكثير من المستشفيات تستقبل إصابات الأزمات القلبية في سن ال 30، وهو ما يعطي مؤشرا خطيرا في تنامي أعداد المرضى، خصوصا أن العوامل المسببة لأمراض القلب بدأت تتوسع وتنتشر دائرتها. والسؤال الذي يدور في أذهاننا: أين يكمن الخلل، هل في البرامج الوقائية، أم في سلوكيات خاطئة يمارسها البعض ومنها التدخين وعدم ممارسة الرياضة؟ .. «الملف الساخن» وضع قضية أمراض القلب على طاولة الأطباء المختصين لمعرفة أوجه الخلل، وكيفية مواجهة المشكلة قبل أن تزداد أعداد المرضى أكثر. اعتبر استشاري القلب في مستشفى الملك فهد العسكري في جدة الدكتور حسان شمسي باشا، أن الجلطة القلبية (احتشاء العضلة القلبية) مرض شائع جدا في الغرب، ويصيب سنويا نحو 1.5 مليون شخص في أمريكا، وللأسف فإنه آخذ في الانتشار في بلادنا العربية يوما بعد يوم وبدأ يداهم الشباب في سن الثلاثين أو الأربعين، خصوصا مع رفاهية الحياة التي ينتشر فيها التدخين، وارتفاع كولسترول الدم، وارتفاع ضغط الدم وداء السكر، وغياب النشاط البدني، والسمنة، والتعرض للضغوط النفسية. ولفت إلى أن الفرد يتحمل المسؤولية الكبرى في انتشار أمراض القلب التي يصاب بها نتيجة عوامل الخطورة السابقة الذكر، فهناك كثير من الأفراد للأسف لا يعي أهمية الرياضة أو تجنب التدخين أو الأكل بحكمة، فكل هذه المعطيات أدت إلى استشراء المرض وتزايد أعداد المصابين. وأضاف «التوعية موجودة وملموسة في مجتمعنا، إلا أن الفرد يجب أن يكون على قدر كبير من الاهتمام بصحته، فهناك الكثير من البرامج الوقائية التي تنفذها القطاعات الصحية من أجل تشخيص كل أوجه الخلل الموجودة في الجسم، والأهم من كل ذلك تجنب كل عوامل الخطورة التي تؤدي إلى حدوث المشاكل الصحية من منطلق أن درهم وقاية خير من قنطار علاج». جذور المشكلة ورأت رئيسة مركز جدة للقلب الدكتورة هدى الخطيب أنه أصبح من الممكن احتواء أمراض القلب في جميع أنحاء العالم إذا تم تشخيصها بشكل صحيح وتجنب عوامل الخطورة التي تؤدي إلى الأعراض الأساسية لأمراض القلب والأوعية الدموية وإدارتها بشكل فعال؛ لأنه ثبت علميا أن معالجة جذور المشكلة أهم من معالجة العرض بحد ذاته، وهو النهج الأكثر فعالية من حيث التكلفة ومن حيث التغلب على المضاعفات الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية على حد سواء على الفرد والمجتمع. وأشارت الدكتورة الخطيب إلى أنه بمراجعة الدراسات التي صدرت مؤخرا حول العوامل المسببة لأمراض القلب أكدت أن أمراض القلب في المملكة تصل نسبتها 5.5 في المائة من البالغين من سن 30 إلى 70 سنة، واعتبرتها نسبة معتدلة مقارنة بالنسب العالمية، وبينت «أن المقلق هو ارتفاع نسب العوامل المساعدة على حدوث أمراض القلب، فمثلا نسبة السكر في السعودية بلغت 24 في المائة والضغط 26 في المائة والسمنة 70 في المائة، كما يعاني 50 في المائة من السعوديين من أمراض الكولسترول و97 في المائة من عدم ممارسة الرياضة وقلة الحركة، ونسبة التدخين 33 في المائة عند الرجال و10 في المائة عند نساء. ونبهت الدكتورة الخطيب من تزايد العوامل المساعدة على حدوث أمراض القلب، وأكدت على أهمية وضع استراتيجية وطنية لمراقبة هذه الأمراض حتى لا يتحول هذا المرض إلى وباء. التدخين والقلب وتطرق استشاري النساء والتوليد في مستشفى الثغر في جدة الدكتور محمد يحيي قطان لجانب علاقة تدخين النساء بإنجاب أطفال يعانون من عيوب خلقية، فيقول: التدخين بشكل عام يعتبر من أهم مهددات القلب وإصابته بالأزمات والجلطات، والمؤسف أن كثيرا من نساء المجتمع يتناولن التدخين والشيشة والمعسل في ظاهرة تهدد صحتهن، والأخطر من ذلك لجوء النساء الحوامل إلى ذلك في فترة الحمل وهو ما يؤثر على صحتهن وصحة الأجنة. وأضاف «أن جميع الدراسات العالمية أثبتت خطورة التدخين على الأجنة، وآخر هذه الدراسات تحذير الأطباء الأمريكيين من أن تدخين المرأة خلال الربع الأول من حملها يزيد احتمالات إنجابها طفلا يشكو من عيب خلقي في القلب، حيث أجرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقائية منها في أتلانتا دراسة أظهرت أن التعرض للتبغ مرتبط بما بين 20 إلى 70 في المائة من زيادة خطر الإصابة بعيوب مثل إعاقة تدفق الدم من الجزء الأيمن إلى الرئتين والفتحات بين أجزاء القلب العليا. وطالبت الدراسة النساء المدخنات اللاتي يفكرن في الحمل أن يقلعن عن التدخين وإذا كن حوامل فعليهن التوقف عن ذلك، وأوضحت الدراسة أن إقلاع النساء عن التدخين قبل أو خلال بدايات الحمل يساهم في تفادي مئات العيوب في قلوب الأطفال». الدكتور قطان أكد أن البرامج الوقائية تلعب دورا مهما في تكريس الوعي الصحي، ولكن تكمن المشكلة في تساهل الكثير من الأفراد مع الرسائل الصحية الموجهة لهم عبر كافة الوسائل الإعلامية والحملات الوطنية والبرامج الوقائية. مشاكل غذائية ولم يكتف خبير واستشاري التغذية الدكتور عبدالرحمن المصيقر بوصف النمط المعيشي الخليجي بأنه خامل وغير صحي، إذ أكد أنه وراء الأمراض السائدة والأمراض المزمنة كأمراض القلب وهشاشة العظام والسمنة والسكري والسرطان وارتفاع ضغط الدم. ودعا الدكتور المصيقر إلى ضرورة الاعتراف بوجود مشاكل كثيرة تخص الناحية الغذائية، خصوصا في دول مجلس التعاون الخليجي، لافتا إلى أن هناك الكثير من العقبات التي تواجه التغذية بمفهومها الصحيح، ومن أهم المشاكل نقص في الأكل والتغذية التي لها علاقة بمشكلة فقر الدم والنحافة الشديدة ونقص الفيتامينات وهي تظهر في طلبة المدارس بنسب عالية، ومشاكل مرتبطة بتغيير نمط الحياة والمعيشة، وأمراض منتشرة في عالمنا العربي أهمها السمنة وأمراض القلب وداء السكري ثم السرطان، وهي أمراض لها علاقة بارتفاع نسب الوفيات لدينا، وهذه الأمراض مرتبطة بالتغذية، بالإضافة إلى مشكلة أخرى هي التلوث الغذائي الناتج عن المبيدات الحشرية أو البكتيريا أو بعض المواد الكيميائية. ويواصل المصيقر أن تقرير منظمة الصحة العالمية أكد أن 30 في المائة من أسباب الوفيات في العالم ناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، داعيا إلى ضرورة تكثيف البرامج التوعوية التي تتناول المشاكل المرتبطة بالقلب. الدهون الثلاثية ويتفق استشاري القلب الدكتور أحمد عبدالعزيز مع الآراء السابقة، ويقول: تتسبب أمراض القلب عندما تتجمع كتل من الدهون على جدران الأوعية الدموية من الداخل مما يؤدى إلى ضيق مجرى الدم، وتتكون هذه الكتل الدهنية عند تفاعل حامض أميني يدعى الهوموسيستين مع الكولسترول والذي يترسب على الشرايين التي تغذي القلب، كما أن زيادة كمية مادة الهوموسيستين قد تسبب تلف المادة التي تغلف جدران الأوعية مما يعجل في تكوين الدهن وتجمعه، وقد بينت الأبحاث أن زيادة كمية مادة الهوموسيستين عند النساء تضاعف من نسبة الإصابة بأمراض القلب. وأشار إلى أن الجلطة تعرف على أنها انسداد تام بالشريان ناجم عن تخثر الدم، أو تجلط الدم، ما يمنع وصول الأوكسجين إلى العضو الذي يغذيه هذا الشريان، مشيرا إلى أنه في معظم الأحيان يحصل تخثر الدم في الشريان المصاب بتكلس أو تصلب ناجم عن تجمع الكولسترول في داخله وتفاعله مع صفائح الدم. وأكد الدكتور عبدالعزيز أن هناك العديد من العوامل التي تتداخل مع بعضها وتسبب أمراض القلب وحدوث الجلطات ومن أهم هذه العوامل: العمر، الوراثة، ارتفاع ضغط الدم، الإصابة بالسكري، ارتفاع الكولسترول والدهون الثلاثية، السمنة، قلة الرياضة والنشاط، زيادة مستوى الهوموسيستين في الدم، التدخين، والغذاء غير الصحي، وعندما تتداخل العوامل الوراثية مع العوامل الأخرى تزيد الاحتمالية لحدوث أمراض القلب.