كان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في سفر، وفي طريق عودتهم إلى طيبة الطيبة والليل أسدل ظلامه رغب الصحب الكرام وقد جد بهم المسير أن يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمبيت بعدما مضى من الليل أكثره وهم يسيرون في البيداء، فنزلوا بواد وكان جهد السفر أخذ منهم كل مأخذ وكانت تلك وقعة منهم على الأرض ما أحلاها وما أعظم لذتها حتى قال الصحابي «وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها». إنهم رضي الله عنهم أحرص الناس على الخير وأسبقهم إليه ولكن الضعف البشري ومشاق السفر والإسراء ليلا ألقى عليهم سباتا غشيهم فناموا عن صلاة الفجر حتى خرج وقتها فما أيقظهم إلا حر الشمس، قال الصحابي «فما أيقظنا إلا حر الشمس» تألموا وحزنوا كثيرا لفوات صلاة الفجر وشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أصابهم من ذلك فسكن الرحمة المهداة حزنهم، وقال لا ضير وأمرهم بالارتحال ثم نزلوا غير بعيد وتوضأوا ونودي بالصلاة.. فصلوا. أحبتي القراء هذا طرف من حديث رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وعند مطالعتنا لهذا الحديث نجده كله بشائر ورحمات. إن من أراد أن يلم بطرف من سماحته صلى الله عليه وسلم فليطالع سيرته وأخباره المبثوثة في الصحاح والمسانيد والسنن، وكلما قرأت أكثر أحببته أكثر فتأمل كيف نام أصحابه ونام هو معهم ولم يلمهم فيما لا حول لهم فيه ولا قوة، ثم إنه ترفق بهم وسار بهم غير بعيد عن الوادي الذي حضرهم فيه شيطان «كما جاء في بعض روايات الحديث». وبعد أن صلى الفجر رأى صحابيا لم يصلِ معه فلم يعنفه وسأله بلطف لما لم تصلِ معنا فأخبره أنه أصابته جنابة ولا ماء فعلمه التيمم ثم شكوا إليه العطش فجاء من أرسلهما للبحث عن ماء بمزادتين امرأة أذنت لهم بالاستقاء منهما وكثر النبي صلى الله عليه وسلم ببركته الماء وسقى القوم واستقوا والمرأة تنظر وكان ذلك في ختام قصتها سبب في إسلامها وقومها. ويظهر لك أنه حري بالمسلم أن لا يقع منه إسراف في أمره ما استطاع، وأنه مع كثير اجتهاده وعلو مقامه في الدين فلا بد أن يقع منه تقصير، لكن العبرة بصدق النية والثبات في الأمر ومواصلة مجاهدة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء كما يتجلى لك سماحة الشريعة ويسر أحكامها ورفق تعاليمها بالإنسان وأن صاحب السبق في الخير حتى لو فاته باب من الخير بغير حوله فلا تخلو نفسه من ندم وحزن على ما فاته من خير وأن أنفع أسباب الثبات لزوم العلماء وعرض ما يجد على المرء من أمور عليهم ليفتوه ويوجهوه ويرشدوه إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في منطقة المدينةالمنورة. [email protected]