أنا المهدي المنتظر.. عبارة لها رواج في الفترة الحالية فمن رجل في مكة إلى شاب في المدينة إلى دول أخرى آخرها الفترة الماضية في الكويت وتلتها حادثة في القطيف والأدهى هو التسارع والمدة الزمنية القصيرة التي لا تفصل تلك الدعوات عن بعضها كثيرا ولكأن هناك ضابطا ورابطا في الوقت بينها خصوصا في ظل الثورات القائمة والتي ربطها البعض بكونها أحد أشراط الساعة، ولعل ما صرح به مدير مستشفى الصحة النفسية في المنطقة الشرقية بظهور ست حالات لمدعي المهدي المنتظر في الفترة الأخيرة يجعلنا نتساءل ما سر خروج هذه الدعاوى في هذا الوقت؟ وهل هناك رابط علاقة بين كل هذه الدعاوى؟ وهل رأوا في أنفسهم الأهلية والمشابهة لأوصاف المهدي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصفوه بالمهدي؟ وما هي هذه الأوصاف؟ وهل فعلا كما تقول الروايات إنه يعيش منذ زمن على وجه الأرض وأن الناس لم تكتشفه ما سهلت هذه المقولة لظهوره يمنة ويسرة. «عكاظ» فتحت هذا الملف مستعرضة بعض القصص التي حصلت حديثا وتقصت الحقائق من نواح شرعية ونفسية واجتماعية وخرجت بالآراء التالية حيال القضية: البداية كانت مع ظهور العديد من القصص التي ظهرت في وسائل الإعلام سواء في المملكة أو خارجها ومنها خروج شاب في المدينةالمنورة، في العقد الثالث من عمره، يدعي أنه المهدي، حتى بلغ زملاؤه عنه، وأحيلت أوراقه للجهات المختصة. في قصة مثيلة, ادعى شاب في إحدى القرى بأنه المهدي، وزعم امتلاكه لجيش من الملائكة، وأنه تعرف على المسيح، وعلمه كثيرا من الحقائق الخفية، والأغرب قناعة أهله بأقواله. مبينا أن أسرته من ذرية علي بن أبي طالب، وجدهم الأكبر هو الحسن بن علي رضي الله عنه ، وأشار أحد المواقع إلى أن هذا الشاب حاصل على دبلوم في التجارة، ويعمل فلاحا، وتوقف عن العمل لشعوره بضيق، فرأى في المنام أبواب السماء تفتح له، وشاهد نجوما، وبعد استيقاظه، وجد ملكا يخبره أنه سيتعاون معه على محاربة الفساد بحسب وصفه. «ويواصل بشرني الملك أني المهدي، وأن الفساد سينتهي من الدنيا، وسنحرر القدس والعراق». ولم تكد تغلق هذه القصة حتى ظهر علينا مدع جديد لكن هذه المرة معتل نفسياً يخطف الميكروفون في الحرم المكي الشريف حيث ادعى أنه المهدي ليكتشف بأنه مريض نفسيا ويرحل من البلد، لحقتها حادثة أخرى لم يفصلها عن سابقتها سوى أسبوع، لشاب يحث المارة في المدينة على اتباعه، أو حلول العذاب عليهم إن رفضوا بدعوى أنه المهدي المنتظر . ولم تقتصر القصص على داخل المملكة حيث أنهى كويتي حياته بإطلاق الرصاص على نفسه، بعدما فشلت مفاوضات رجال الأمن والمباحث وتوسلات ابنيه للعدول عن القرار، الذي ختم به حياته، على وقع «أنا المهدي المنتظر»، و«وصلتني أوامر بالموت». كثرة الادعاءات وأخيراً ادعى شاب في أحد مساجد القطيف عقب صلاة المغرب أنه المهدي فقبض المصلون عليه وسلموه للشرطة. هذه القصص العديدة تجعلنا نتساءل: لماذا كثر مدعو المهدي المنتظر؟ وما أسباب ذلك اتجهنا للعلماء والدعاة والفقهاء والنفسيين ليبينوا حقيقة الأمر، حيث بين عميد كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الإمام محمد بن سعود سابقا الدكتور سعود الفنيسان أن المدعين على قسمين: إما أصحاب أمراض وعلل نفسية، أو أصحاب هوى وشعوذة. وأوضح الفنيسان أن المهدي الحقيقي اسمه محمد بن عبدالله، وهو من آل البيت، ويصلح في يوم واحد شيئا كبيرا، وحتى اللحظة لم يتحقق هذا الأمر في أحد. وطالب الفنيسان بعدم تصديق من ادعى أنه المهدي، خصوصا إذا لم يعرف صلاحه، مبينا أن الناس غير مطالبين ومكلفين أن يبحثوا عنه، أو حتى اتباعه. مبينا أن في خروجه دلالة كونية على علامات الساعة، كتطاول البنيان ونحوه، وأضاف «ما جاء في العقائد عن المهدي، لا صحة لأساطيره». ورأى الفنيسان بضرورة قمع الادعاءات بإدخال المدعي للمستشفى إن كان مريضا، أو عقابه إن كان صاحب هوى. وخلص إلى أن المهدي موجود في كل الديانات، لكنه عند أهل السنة صالح ومصلح، يهدي الله به بشرا بين عشية وضحاها، وهو من العلامات الصغرى لقيام الساعة. نشر الضلالات ووافقه أستاذ الدراسات العليا في جامعة القصيم في كلية الشريعة الدكتور خالد المشيقح قائلا «انتشار هذه الدعاوى لأسباب كالجهل بكتاب الله، والبعد عن نور النبوة، وهذا يسهم في نشر الضلالات». وأضاف «خروج المهدي من أشراط الساعة، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، بل بين عليه السلام صفاته ومكانه وزمانه». وأشار إلى أن البعد عن العلماء الراسخين، سبب لانتشار هذه الدعوى، إضافة إلى الاقتصار على كتب فاق صوابها الأخطاء الكبيرة حتى تفاقمت المسألة. وذكر أن حب الظهور، وابتلاء البعض بذلك، سبب ثالث، فلجأ بعضهم لاستثمار هذه الدعاية لسرعة انتشارها، أما نقص عقلية الشخصية فكانت سببا رابعا. وتطرق المشيقيح للطرق العلاجية لهذه المسألة مثل تعريف المجتمع بالساعة، وبيان السنة الصحيحة، وتعريفهم على صفات المهدي، وخروجه، ومكانه مكة، وتحذير الناس من تصديق هؤلاء، فالأمور إن اتضحت نجا الناس. وطالب المشيقيح بتعزير المدعي، موضحا أن «التعزير في كل معصية لا حد فيها، ولا كفارة لها في الشرع»، وعلل طلبه بتعزير المدعي لكذبه وافترائه، حتى يرتدع. قضية غيبية وتحفظ عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور محمد موسى الشريف على الموضوع معتبرا إياه من القضايا الغيبية، والناس غير مكلفين بانتظار المهدي أو البحث عنه. وقال: «جاءتنا آثار صحيحة في السنة عن المهدي، وأخرى موضوعة، وثالثة ضعيفة، لكن أهل السنة كانوا متوازنين في مناقشتهم لهذا الأمر». محذرا من إشغال الناس بهذه القضايا مطالبا باتباع منهج السلف، ولجوء القضية للحاكم أو القاضي، لئلا تشيع. ورأى نائب رئيس الجمعية العلمية السعودية للدراسات الفكرية المعاصرة الدكتور ناصر الحنيني عدم المقدرة على منع هؤلاء من الظهور، لكن التقليل منهم ممكن. وأشار الحنيني إلى إمكانية علاج أصحاب هذه الأفكار طبيا، إن كانوا يعانون من مرض نفسي، مبينا أن الله سيظهر المهدي آخر الزمان بعلامات معروفة، لكن في الوقت الحالي غير ممكن. ودعا إلى إحالة الموضوع للقضاء حتى تقدر العقوبة، مشددا على ضرورة التفريق بين الجاهل والمعتل والصحيح المدعي. اتباع المهدي وهنا يطالب الداعية الدكتور سلمان العودة المسلمين بالتثبت والتحري، وعدم العجلة في الأمور بمجرد هوى. مضيفا «لا نحكم على أي شعيرة شرعية بأن المهدي مرهون بها، بل المسلمون يعيشون حياتهم، ويمارسون عباداتهم، وأعمالهم، فإذا ظهرت أدلة المهدي التي لا لبس فيها اتبعوه». وتطرق إلى أن الصحابة درجوا على هذا الأمر، وتتابع على ذلك أئمة العلم على مدى العصور، مبينا أن أهل السنة يؤمنون بالمهدي بأنه من آل بيت النبي، ويولد كغيره ويخرج آخر الزمان، ويعيش كما عليه الباقون، كما يخطئ ويحتاج لإصلاح، فيكتب الله على يديه خيرا كثيرا، وبرا، وصلاحا للأمة، وعدلا يجمع شمل المسلمين. مضيفا «لم يذكر في المهدي أكثر من هذه النصوص»، مبينا أننا لسنا مأمورين بانتظاره أو ترقبه، ولا ينبغي للمسلم قبول هذه الادعاءات إلا بأدلة كافية، واصفا المدعين بالكثرة. علامات الساعة ويتفق عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم الدكتور خالد المصلح مع رأي العودة بأن قضية ظهور المهدي ليست حديثة، بل وجدت منذ عهد ماض في تاريخ الإسلام. مبينا أن ظهوره من علامات الساعة، وادعاءات الناس وجدت منذ زمن، تشكل على إثرها فرقا لترويج الدعاية. وعن أسباب زعم البعض أنهم المهدي هي تلك الضغوطات النفسية، والانحرافات التي تيسر هذه الأفكار، إضافة اتباع طرق الشيطان، مؤكدا بأن سبب كثرة المدعين ما يمرون به من أزمات. ورأى أن تبصير الناس بالمهدي، طريقة مثلى لمواجهة الادعاءات، ولقطع الطرق على الجهلاء، وكل من سلك طريق الشيطان. وشدد على أهمية العلاج بناحية علمية أو شرعية، لأنها تحد من تفاقم المسألة، وتضع الأمور في نصابها، واعتبر المصلح الإعلام مضخما للأمور في هذا السياق، مطالبا بأن يلتفت لمعالجة مثل هذه الظواهر ويساهم في الحد من ظهورها. وشدد المصلح على أن هذه خرافات لا تصدر إلا من مرضى نفسيين، أو مفتقدين للاستقامة، مؤكدا أن الأحاديث الواردة في المهدي متواترة، كما قال الشوكاني وغيره. ورأى بأن الحد من الدعاية يحتاج لعناية علمية، كذكر أوصاف المهدي كما في النصوص. وأشار إلى أهمية رؤية المدعين، والتأكد من عقولهم، وخللها، فإن كانوا أصحاء، نوقشوا لتبيان الحقيقة، مشيرا إلى أهمية استخدام أساليب علمية، كالتبصير والإيضاح، أو عملية، كالتمييز بين المريض النفسي والعاقل الذي لبس الأمر عليه، ورأى أن العقوبة التعزيرية في المدعي يقدرها الإمام، مع مراعاة رجاحة العقل من غيره.