عندما وجه الزملاء لي في «عكاظ» دعوة الكتابة قبل أعوام.. ألزمت نفسي أن أتناول ما أمكن القضايا المعبرة واختيار القصص المؤثرة الإيجابية وأن أطرح كل ما يهم القارئ وأن تكون رسالة المساحة الكلمة الطيبة والاقتراح البناء ونشر المعرفة، وكان همي الرئيسي أن أمارس دائماً الصدق الذي لا عيب فيه والدقة الحقيقية واستمر اهتمامي بهذه القضايا.. وكتبت عن طيب خاطر بقلم أبيض كقارب تغريه مطاردة التيار ومارست الجنون الحر الذي لم يفسده مستشفى للأمراض العقلية، وتنفست مواويل مرتجلة ورسمت أشرعة ومراكب من ورق.. كنت نورساً يتدرب على فن الذهاب إليكم وعشت كامل الجنون الوردي معكم أسبح كفقاعات في الهواء وأرقص على أطراف النخيل بلذة همجية.. كنت أكتب لكم عن كل شيء بهدوء مثل إعصار يعبث بسنابل حقل وكنت أهدم مدنا وأعيد بناءها من أجلكم بيتاً بيتاً ومنعطفاً منعطفاً.. كنت أرسم أمساً مضى وأرجم فجراً بعيداً وأكتب بحرية عار في جزيرة تحتشد فيها التناقضات ولا تتجانس العناصر، وكتبت لكم كلما تسلقت طائرة أو ركبت قطاراً عن كل العالم كأنه جزيرة مقلوبة أهلها تحت الماء وتقاسمت معكم معالم الأرض كخط الاستواء، كنت أكتب بلغة مفضوحة تتسربل فيها الخيوط الملونة أسرد هذياني البهيج مرتدياً ذلك الخف المطاطي الذي يعيرني إياه «العكاظيون» أحياناً.. يبيحون لي حرية الوثب بين لحظة وأخرى كحصاة مقذوفة في البعيد من يد طفل تتصاعد وتطير بلا وجهة ولا أجنحة.. وطحنت وعجنت وخبزت وكان لكل ذلك لذة لا توصف فقد كنت أعلك كل شيء بشهوة لأقدمه لكم على طبق مرتاح.. لقد حاولت خلال الأعوام الماضية أن أسهم بقطرات متواضعة في محيط «عكاظ» الصحيفة التي جعلت من الكلمة عصفوراً يحلق في سماء الوطن وكنت أتفيأ بظل «عكاظ» عندما يشتد هجير شمس الحياة هرباً من مهنة التغلب على الألم إلى مهنة البحث عنه، ووجدت خلال هذا الهروب والتفيؤ أن المساحة المتاحة للكاتب هي في الواقع برج مراقبة ومنصة قضاء وصندوق بريد تضع فيه رسائل الحب والخير والمعرفة لقرائك وبرج المراقبة ومنصة القضاء وبريد القراء عناصر ووحدات ترتبط ارتباطا وثيقاً بالوقت الذي أصبحت لا أملك الكثير منه، فالوقت للكاتب هو الساق والأرجل ومن الصعب أن يرقص الإنسان بدون سيقان. لقد أصبحت مهنة البحث عن رغيف الخبز ساعة رملية تبلع كل شيء، وليس من العدل أن احتل قصراً منحني إياه «العكاظيون» وأتجول فيه بأثواب مرقعة.. لقد قررت التوقف عن الاستمرار في الكتابة الأسبوعية وهذا القرار هو بحجم حب «العكاظيين» لي فممارسة الخربشة على جدار «عكاظ» لا تعادلها متعة في الحياة، فقد حول «عكاظ» القائمون عليها إلى مجمع خيول أصيلة تمد أعناقها العالية دائماً للشمس.. دامت «عكاظ» للعالم العربي عنقود ماس ونسمة هواء وسنابل أمل وبذور خصبة تملأ بيادر حياتنا بالحب والفكر والكلمة البناءة الحسنة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة