إن التجربة الإبداعية الخلاقة لا تقاس بمداها الزمني أو بكمها الإنتاجي، إنما بطبيعتها ودرجة الخلق والابتكار فيها، وهو الأمر الذي يضع التشكيليين القادرين على التأثير والتغيير وترك بصمة في الحركة الفنية. الفنان الشاب أحمد الخزمري استطاع أن ينطلق بفرشاته بحرية متناهية نحو المنافسة مع من سبقوه من الفنانين، حيث استطاع في فترة وجيزة أن ينهج أسلوبا خاصا به منحه القدرة على التعبير وقد يصنف من التجريديين تارة ومن التعبيريين تارة أخرى، مازجا تعبيرية الرموز بالأشكال مختزلا إياها في شكل زخرفي عام تنبثق منه كتل ضبابية باستخدامه تقنيات اللون المختلفة. كما أن تنوع التراكيب اللونية وتداخل المساحات في أعماله تكشف عن حساسية عالية يمتلكها الفنان تجاه هذه الأداة المؤثرة، بحيث يستطيع في كل مرة، وبنفس النهج التجريدي، أن ينتج تجربة بصرية جديدة في مضمونها وجماليتها وإيحاءاتها. هكذا اشتغل الخزمري على تحليل الموروث وإعادة بنائه لاستنطاق جمالية على قدر من الخصوصية، مع الحفاظ على البعد الفكري للعمل مشكلا اللوحة الحديثة وفق أهم الأسس والقوانين الفنية للتجريد الرمزي، فالزخرفة تسحب نفسها على التكوين كاملا، ويحول الأشكال إلى مسطحات بخطوطه وألوانه ملخصا جميع تفاصيلها حتى الظلال الساقطة بين طياتها لتحتل خلفياته كامل حيز اللوحة لملء الفراغ، فنجد أن الفنان يكرر في أعماله تلك الزخارف البيئية ليحلل بها موروث المنطقة الجنوبية مسقط رأسه وكأنه يحاكي ارتباط الإنسان بالطبيعة وبما حوله، تاركا لريشته الحرية الكاملة في رصد المكان والزمان.