أفصح وزير الداخلية الباكستاني رحمان ملك عن حقائق جديدة في مقتل أسامة بن لادن على يد القوات الأمريكية، وأكد في حديث مع «عكاظ» لدى زيارته المملكة أن المخابرات الباكستانية أول من قدم معلومات لنظيرتها الأمريكية، غير أن الأخيرة استأثرت بالأمر ونفذت العملية فجرا دون التشاور معنا. وزاد «نحن نأسف لهذا التصرف الأمريكي على الرغم من كوننا شركاء في الحرب على الإرهاب وقدمنا معلومات قيمة، ونحن نحقق الآن في كيفية دخول القوات والطائرات الأمريكية للموقع وتنفيذ المهمة دون علم أجهزتنا المخابراتية، نحن نعترف أننا تعرضنا لاختراق أمني وسنسد كل الثغرات». وتطرق إلى مضمون الرسالة التي بعثها رئيس باكستان آصف علي زرداري إلى خادم الحرمين الشريفين، موضحا أنها تضمنت كل الحب والتقدير والثناء على مواقف المملكة المشرفة في دعم واستقرار وتنمية باكستان. ونفى أن يكون ثمن الخرق الأمني استقالة أحد أركان الحكومة الباكستانية، متسائلا: هل استقال بوش أو أحد أركان إدارته عندما دكت القاعدة مبنيي مركز التجارة العالمي. تفاصيل أخرى في الحوار التالي: • قبل أن ألج معك في الحديث عن الحدث الأبرز المتمثل في قتل بن لادن، دعني أسألك أولا عن لقائك البارحة الأولى بخادم الحرمين الشريفين، ماذا حملت رسالة الرئيس الباكستاني؟ - الرسالة حملت الحب والتقدير والثناء والعرفان للدور الكبير والريادي الذي يضطلع به خادم الحرمين الشريفين، ومن ضمن ما حملت الرسالة أيضا تقدير حكومة باكستان وشعبها لجهد المملكة في دعم استقرار ونماء باكستان وشعبها في جميع الأزمات والكوارث الطبيعية، من المؤكد أن الرسالة فيها أمور لست مخولا بالإفصاح أو الاطلاع عليها، نقلت إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعوة الرئيس الباكستاني لزيارة الباكستان، وقد قبل الملك عبدالله الدعوة بصدر رحب، كما أن الرئيس الباكستاني سيكون في المملكة قريبا. الأمة الإسلامية جمعاء تنظر بالإجلال والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وجهوده الكبرى في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين. • وماذا عن لقائكم مساعد وزير الداخلية السعودي؟ - ثمنت له جهوده في مواجهة الإرهاب والتصدي له، كما نقلت له أيضا شكر الحكومة الباكستانية على جهوده الكبيرة وتعاونه ودعمه، والتنسيق العالي بين وزارتي الداخلية في البلدين. الأمير محمد بن نايف أصيب في محاولة اغتيال فاشلة في سياق جهوده الكبرى للتصدي للإرهاب والقضاء عليه، ونحن نقدر جهد المملكة ممثلة في وزارة الداخلية في دحر الإرهاب والتعاون عن طريق تبادل المعلومات القيمة التي تحمي المواطنين في البلدين من نزاعات وأهداف وأطماع الإرهابيين، ورغم التهديدات لم يتخوف الأمير نايف والقيادة السعودية بل صمدت وواجهت ذلك بكل حزم وانتصرت عليه. • الحدث الأبرز خلال العام 2011 م، قتل أسامة بن لادن على الأراضي الباكستانية وفي منطقة تقترب كثيرا من قاعدة عسكرية، ما الذي حدث؟ - ما حدث أن قوة بحرية أمريكية تساندها طائرات نفذت عملية سرية دون علم السلطات الباكستانية ونفذت ما حدث وشاهده العالم، قتل بن لادن وبعض ممن كانوا معه فيما بقي أفراد من أسرته رهن الاستجواب من قبل السلطات الباكستانية. في بادئ الأمر، المخابرات الباكستانية توصلت إلى رقم هاتف يعتقد أنه لأسامة بن لادن أو أحد معاونيه وتم لاحقا تتبع المكالمات ومررنا المعلومات للمخابرات الأمريكية التي وصلت إلى مقر بن لادن ونفذت العملية دون التشاور معنا أو حتى إشراكنا في الرأي، من بين القتلى أحد أبناء بن لادن ولدينا معلومات مهمة حصلنا عليها من زوجة بن لادن من غير المناسب الإفصاح عنها الآن. أسامة بن لادن ليس باكستانيا، ولا طفل باكستان المدلل، هو كما يعلم الجميع انضم إلى الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي، ثم أصبح مجاهدا إلى جانب آخرين، ثم أتوا إلى باكستان واستوطنوا وعرفوا الناس والشوارع والمدن، وأصبحوا من أهل باكستان، بن لادن وأعوانه يعرفون المناطق والقرى والهجر وأين يقيمون ومتى يتحركون. في باكستان نفذت خلال الفترة الماضية أكثر من ألف عملية إرهابية استهدفت رجال أمن ومواطنين أبرياء ومؤسسات حكومية، بن لادن كما قلت يحارب الأمة الإسلامية، بينما نرى القائد نفسه يترك وصيته لأبنائه ألا ينضموا للجهاد أو القاعدة، بن لادن لا يشجع سوى أسر الفقراء على حمل الأسلحة والاتجاه للكهوف والجبال، بينما هذا القائد ومن معه يستمتعون بالرفاهية ويجلسون على الأرائك الوثيرة في منازل فخمة، هناك فرق كبير بين ما ينفذون وما يدعون. • متى عرفت كوزير داخلية بالأمر؟ - بعد 15 دقيقة، في بادئ الأمر بلغنا بتحطم مروحية، ثم اتضح لاحقا أن الهدف كان مخبأ بن لادن، وانتقلت سلطات الأمن إلى الموقع ووجدت الأمر ماثلا. • ما هو موقف الباكستان من ذلك؟ - نحن نأسف لحدوث الأمر بهذه الطريقة وعلى أراضينا نتيجة فشل استخباراتي في متابعة عملية قتله، ولكن يجب أن نفهم أن الفشل الاستخباراتي لا يقع في الباكستان، بل حدث أثناء ضرب برج التجارة العالمي الأمريكي رغم كل التجهيزات الأمريكية. • هل صحيح أن أسامة بن لادن قتل، هل نعتبر هذا تأكيدا باكستانيا؟ - بحسب المعلومات المتطابقة فإن ما أعلنت عنه أمريكا واقع وحقيقة، ولكن هل ألقت جثته في البحر، هذا الأمر لسنا متأكدين منه. عندما باشرت سلطات الأمن الباكستانية الموقع وجدت أشخاصا يسبحون في بركة من الدماء، ووجدت أشخاصا منهم زوجة بن لادن وآخرين في حالة نفسية سيئة، من واجبنا الإنساني نقل هؤلاء إلى المستشفى، قدم لهم العلاج الكافي وهم الآن يخضعون للاستجواب من قبل جهاز المخابرات. • من سيدفع فاتورة هذا الخرق الأمني، هل نتوقع استقالات في جهاز الحكومة؟ - عندما ضربت القاعدة مبنى التجارة العالمي هل استقال بوش، وعندما تعرض قطار المملكة المتحدة للإرهاب هل استقال أحد من حكومتها، بالطبع لا بل تجددت عزائمهم لمحاربة الداء والوباء، والمسألة تحتاج عزيمة، ونفس الأمر في باكستان لن يستقيل أحد لا وزير الداخلية ولا رئيس الحكومة ولا رئيس المخابرات ولا حتى رئيس الدولة، هناك من تحدث عن تعطل الرادارات وقت تنفيذ العملية وأنا أؤكد أن التحقيقات هي التي ستكشف ذلك، هناك حديث عن أن الطائرات حلقت على علو منخفض والتحقيقات أيضا ستوضح ذلك. • أنت تشير دوما إلى التحقيقات، ألم تكن المدة الماضية كافية، ألم يرشح شيء؟ - بالطبع لا يمكنني الحديث دون حقائق، أنا في موقع المسؤولية ويفترض أن تكون جميع المعلومات التي أدلي بها أو تنقل عني دقيقة وواضحة، ليس لدينا ما نخفيه ونحن عازمون تماما بكل جهد لإجلاء الحقيقة، نحن ضحية للإرهاب وما تشاهدونه من جهد استخباراتي ليس مسرحية. • هل ستفصح باكستان عن المعلومات ونتائج الاستجواب لأفراد أسرة بن لادن؟ - التحقيقات جارية وسيعلن عن النتائج إذا كانت تخدم المصلحة العامة، والتاريخ سيتحدث لاحقا ليعرف العالم الحقائق كما هي، دون ادعاء أو تزييف. • هل سيتم تسليمهم لجهات أخرى؟ - هذا الأمر سابق لأوانه، لكننا لا ننوي تسليمهم إلى الشيطان مطلقا. • هناك من يقول إن المخابرات الباكستانية فشلت استخباراتيا، أو ربما كان لها دور في حماية بن لادن؟ - الاستخبارات الباكستانية لم يكن لها دور في حماية بن لادن، من يروج لذلك هم يعون في واقع الأمر أن استخبارات باكستان هي التي قدمت المعلومات الأولية عن بن لادن والمفروض أن يشاركونا في المعلومة قبل وأثناء تنفيذ العملية. المخابرات الباكستانية أجهضت مئات العمليات الإرهابية داخل وخارج باكستان، والجميع يشهد بكفاءتها وقدرتها ونشاطها في ملاحقة المجرمين، نحن نحقق الآن وبدقة وعلى درجة عالية من المسؤولية في كيفية حدوث عملية الاختراق الأمني وستتم معالجة ذلك بكل حزم ودقة. • ولكن هناك من يتحدث عن تواطؤ لبعض العناصر؟ - شائعة حماية أسامة بن لادن غير مقبولة إطلاقا، ولا أساس لها من الصحة لم نحم بن لادن، والمخابرات الباكستانية قدمت معلومات كبيرة ومفيدة ووجهت ضربات موجعة للقاعدة في سوات وغيرها من القرى، هذا الكلام مردود عليه وسخيف، بن لادن كان ذكيا جدا واختار موقعا لا يلفت النظر ووسط مزارع وفي منطقة ريفية نائية، هناك من ساهموا في احتضان بن لادن، والعملية الأمنية أسفرت عن مقتل اثنين ممن لهم علاقة بإيوائه واحتضانه وتهيئة المكان المناسب له. • بعد موت أسامة بن لادن، هل تتوقعون انحسارا لنشاط القاعدة؟ - لا أعتقد ذلك، القاعدة لن تنتهي ولكن التعاون الكامل بين الدول وتمرير المعلومات كفيل بالتصدي للإرهاب. • هل ستتأثر علاقتكم بأمريكا؟ - طوال الفترة الماضية الباكستان حليفة مع الأمريكان في الحرب على الإرهاب، وقدمنا معلومات قيمة خلال السنوات الماضية في هذا السياق، ونريد استمرار هذا التعاون لأن الحرب الدائرة في باكستان هي في واقع الأمر تستهدف الإرهاب، ودون تعاون من الجميع ستكون هذه الحرب عديمة الجدوى.