تعددت التحليلات السياسية، والتفسيرات الفكرية، عن أسباب الحالة العربية الراهنة، والاضطرابات الحادة التي تشهدها البلاد العربية من عمان إلى طنجة، ومعظم التحليلات تجمع على أن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتأخر الإصلاحات السياسية، وتفاقم ظواهر الفساد والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية، وسيطرة الرأي الواحد؛ أبرز المحركات الرئيسية في الصراعات الجارية في أكثر من قطر عربي. بمعنى أن تكاليف الإصلاح المتأخر، وفاتورة السيطرة على الأوضاع المنفلتة في دول مثل سورية واليمن ومصر وتونس وليبيا، أصبحت مرتفعة للغاية، وتجاوزت التكاليف الوطنية إلى التدويل السياسي. بينما كان بالإمكان تجنب هذه التكاليف الباهظة بالمعنى السياسي والاقتصادي، لو كان هناك استشراف استراتيجي للأحداث، وتواضع سلطوي في الاستماع للرأي الآخر وبدء عمليات الإصلاح التدريجي. فالمنطقة العربية ستشهد خلال السنوات الخمس القادمة، مزيدا من التوتر بالمعنى الطائفي والسياسي، على المستويين القطري والإقليمي، مما ينعكس سلبا على الأداء الاقتصادي وبالتالي على الوضع الاجتماعي العام في المنطقة، كما أن الصراعات الجارية حاليا، والاحتقان والتصنيف والتجاذبات الفكرية والسياسية ستلقي بظلالها على البلاد العربية بأسرها. فالتحديات التي تواجه المنطقة الملتهبة، كبيرة ومعقدة، وهي تحديات تراكمية، تتقاطع مع فكرة المقياس الأمريكي للدول الناجحة والدول الفاشلة، الذي تصدره دورية السياسة الخارجية Foreign Policy، بالتعاون مع وقفية السلام Fund for Peace، وهو مركز أبحاث أمريكي يهتم بالصراعات الدولية وسبل إدارتها وحلها وأسباب اندلاعها، حيث يعتمد المقياس حزمة من المؤشرات الاجتماعية، والمؤشرات السياسية والمؤشرات الاقتصادية، وتشمل هذه المؤشرات عناصر عدة، أبرزها، معدل نزوح اللاجئين، تراجع درجة الشرعية التي تتمتع بها الحكومة، انتهاك حقوق الإنسان، التدهور الاقتصادي، تضاؤل نطاق سيطرة قوات الأمن، عدم المساواة في توزيع الثروة بين النخبة والعامة، ظلم الجماعات الفرعية ومستوى العدالة الاجتماعية. فمعظم الدول العربية، لا تقوم بوضع مقاييس ذكية، لتقييم المؤشرات الاستراتيجية لقياس نجاحها أو فشلها في برامجها الاستراتيجية والتنموية، من منظور وطني، ووفق مقاييس معيارية دولية، لجهة قياس مؤشرات العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع، مدى تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، درجة تحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة بين قطاعات المجتمع المختلفة والمتباينة، تحديد اتجاهات الرأي العام الكامن والتنبؤ به، قياس الأداء الخدمي للمؤسسات، ومستوى الرضى الشعبي على أداء الخدمات العامة، للقضاء على محركات التأزيم، واستباق الرأي الكامن واحتوائه. فلا أحد يستطيع إيقاف الصيرورة التاريخية، والحراك الاجتماعي، والمتغيرات الذهنية والفكرية، ولكن بالإمكان تعديل مسارات التغيير، وتوظيفها إيجابيا للمحافظة على المكتسبات الوطنية، ومواصلة رحلة البناء والتغيير، ولكن هذا الأمر يتطلب تغييرا في الفكر والسياسات والخطاب، بما يتفق ومستجدات العصر، وعقلية الجمهور الأكبر في البلاد العربية، وهم جمهور الشباب، والبدء بإيجاد مشاريع استراتيجية للمستقبل، يلتف الجميع حولها ومن أجلها.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 166 مسافة ثم الرسالة