يستغل أعضاء المعارضة المسلحة الليبية ميزة طبيعية يتمتع بها عادة المدافع في حرب المدن للاستمرار في قتال ممتد منذ شهرين ضد القوات الحكومية المسلحة ومواجهة دباباتها وقناصتها في شوارع مصراتة على نحو أفضل. يغلق مقاتلو المعارضة شارعا رئيسا بشاحنات محملة بالرمال ويحاولون عزل وطرد الجنود الموالين للزعيم الليبي معمر القذافي، الذين يطلقون النار عليهم من على أسطح المباني في قتال يائس يتشبث فيه مقاتلو المعارضة بآخر معاقلهم المهمة في غرب ليبيا. لكن المرجح أن يتوقف مصير مصراتة على ما إذا كانت المعارضة المسلحة تستطيع منع أعدائها من الاستيلاء على ميناء المدينة ومنعهم الوصول إليه. ويمثل الميناء طوق النجاة للمدنيين المحاصرين، وتصل من خلاله المساعدات الغذائية والطبية، فضلا عن أنه طريق محتمل لإدخال الأسلحة والذخيرة. ويقول المحلل في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والامن شاشناك جوشي «السيطرة على الميناء ضرورية، وبدونها سيعزلون بالفعل وسيتوقف تقدمهم ولن يستطيعوا الصمود أمام الحصار». وتبث لقطات لمقاتلين يحملون قذائف صاروخية وبنادق آلية يرابضون بين المباني المتداعية، ويشنون هجمات كر وفر ما يعيد إلى الأذهان مشاهد لحصار مدن أخرى، مثل محاصرة الصرب لسراييفو في أوائل التسعينات. لكن محللين يؤكدون أنهم يتمتعون بأفضلية مهمة للغاية في القتال داخل المناطق السكنية على أرضهم، لانهم على دراية بالأرض أفضل من خصومهم الذين ربما يواجهون صعوبات في تحقيق اكبر استفادة من أسلحتهم الثقيلة. ويفند المحلل العسكري بول بيفر بالقول «حتى اكثر الجنود كفاءة واحترافا في العالم مثل الامريكيين والبريطانيين الذين ذهبوا الى العراق على سبيل المثال، وجدوا أن في حرب المدن تكون الافضلية دائما للمدافع». ويستطيع المقاتلون استخدام معرفتهم المحلية في نصب الأكمنة، والوسيلة الوحيدة للاستيلاء على مصراتة ستكون تدميرها مثلما فعل السوفييت في برلين في نهاية الحرب العالمية الثانية. وأردف بيفر «السوفيت دمروا أحياء كاملة. ولا يملك الجيش الليبي قوة النار اللازمة لذلك». لكن الطبيعة التي توفر للمعارضين امكانية الاحتماء وتتيح لهم فرصة المناورة التكتيكية السريعة، هي نفسها التي تصعب على طائرات حلف شمال الاطلسي قصف مواقع الحكومة الليبية. واشتكى المعارضون المسلحون مر الشكوى من اخفاق التحالف العسكري في اتخاذ اجراءات اكثر حسما ضد قوات القذافي، وترجيح كفة الميزان لصالحهم محذرين من مذبحة وشيكة في مصراتة ان لم يقم التحالف بذلك. وقال متحدث باسم المعارضة المسلحة يدعى عبد السلام مكررا آراء آخرين «للأسف مهمة حلف الاطلسي لم تنجح، وقد فشلوا فشلا واضحا في حماية المدنيين في مصراتة». وحاول الموالون للقذافي نشر اكبر قدر ممكن من المعدات العسكرية داخل المدينة. وأوضحت الصحافية ماريا جولوفنينا التي دخلت مصراتة «رأيت الكثير من المدافع المضادة للطائرات على أسطح المباني السكنية، وأيضا أسفل أشجار كبيرة». واتهم قائد العمليات العسكرية لحلف شمال الأطلسي في ليبيا القوات الموالية للقذافي باستخدام أساليب مخادعة في مصراتة. وأشار اللفتنانت جنرال تشارلز بوتشارد لهيئة الاذاعة الكندية إلى أن قوات النظام استخدمت قناصة على أسطح المساجد، وهم يختبئون بجوار المستشفيات. ووضعوا عرباتهم المدرعة داخل المدارس بل انهم خلعوا ملابسهم الرسمية. وقد يكون لنتيجة المعركة على مصراتة أهمية أوسع نطاقا للحرب الاهلية الليبية التي وصلت إلى حالة من الجمود في ظل قتال غير حاسم على جبهتها الشرقية. وتستعين قوات القذافي بصواريخ غراد روسية الصنع وقذائف مورتر وهي تقصف مواقع المعارضة ومناطق سكنية يوميا. وتقول جماعة معنية بالدفاع عن حقوق الانسان إن هجوما أودى بحياة عدة مدنيين اثناء وقوفهم في طابور لشراء الخبز. ويعتقد أن المئات قتلوا فيما نددت به القوى الغربية بوصفه حصارا «على غرار العصور الوسطى» لاجبار سكان مصراتة البالغ عددهم 300 الف نسمة على الرضوخ. لكن مقاتلين من المعارضة يقولون إنهم يقاومون بشراسة ويحبطون اي محاولة من قبل أعدائهم للتقدم نحو الميناء والتوغل في وسط مصراتة. ويصعب على الغرباء تكوين صورة واضحة عن الوضع في مصراتة التي مثل كثير من المدن الليبية هبت ضد حكم القذافي الممتد منذ أربعة عقود في فبراير (شباط) ولا يتسنى التحقق من مزاعم المعارضين من مصدر مستقل بسهولة. ويزعم المسؤولون الليبيون أنهم يقاتلون ميليشيات مسلحة لها صلات بتنظيم القاعدة وعقدت العزم على تدمير البلاد وينفون أن القوات الحكومية تقصف مصراتة او المدنيين. وأفصح سيف الاسلام نجل الزعيم القذافي أن الجيش يجتث الارهابيين المختبئين في المدينة مثلما فعل الروس في جروزني عاصمة إقليم الشيشان، أو كما فعل الأمريكيون في الفلوجة بالعراق. لكن روايات لمعارضين مسلحين وروايات شهود ترسم صورة لقصف بلا تمييز وقتال مكثف في المدينة وعلى مشارفها. ودكت نيران المدفعية مباني وتتناثر العربات المحترقة في الشوارع التي تمتلئ بالانقاض ويعالج الاطباء المدنيين المصابين بموارد غير كافية.