يلعب التفكك الأسري ووسائل الإعلام والمخدرات كرأس الحربة الملتهب، في جرائم المراهقين في منطقة حائل، والمتمثلة في السرقة، مرورا بجرائم انتهاك العرض إضافة إلى القتل وجرائم أخرى تحملها حقائب الأحدث. الأمر الذي يستدعي معه دق ناقوس الخطر وتخليص المجتمع من هذه المنظومة المصبوغة برائحة الدم والبلطجة. ويجمع أهل الرأي، وذوو الاختصاص أن الظروف البيئية والنفسية المحيطة بالحدث، تؤثر بصورة سالبة على سلوكيات المراهق خصوصا التفكك الأسري الذي يعد بمثابة حفرة النار التي تؤجج روح الجريمة لدى المراهق وترسم في صحيفة سلوكياته لقب مجرم. «عكاظ» لبست قفازات الشفافية والتقت آباء وأمهات واستعانت بأهل الرأي حول منظومة جرائم الأحداث وأسبابها وكيفية القضاء عليها عبر هذا التحقيق. وكشف المواطن محمد الزويد عن أن انفلات المراهقين ودخولهم عالم الجريمة يستدعي النظر إليه بمنظار شفيف، ويستدعي الأمر مراقبة الأسرة لأبنائها أثناء خروجهم، مع نظرائهم من الأحداث، إلى جانب التعرف على أصدقائهم عن قرب، لأن رفقة السوء مدعاة أن تقود المراهق إلى عالم السلوكيات التي تعصف بحياته، فالمراهق حينما لا يجد التوجيه السليم يركب عربة أحلام اليقظة ويحاول تقليد ما يراه من سيناريوهات في التلفزيون، معتقدا أن ما يراه على الشاشة هو الوسيلة المثالية لإظهار بطولته والتنفيس عن طاقاته الكامنة. وأضاف الزويد أن الحالة الاقتصادية المتدنية لأسرة المراهق ومحاولة مجاراة أصدقائه في اقتناء احتياجاتهم يدفعه للسرقة لتلبية مايريده. كشف الحقائق ومن جانبه، أكد فهد الشمري أن بعض وسائل الإعلام غالبا ما تتغاضى عن الحقيقة فيما يتعلق بدوافع الجريمة لدى الأحداث في حائل، لذا فالضرورة تقتضي أن تكون هناك مكاشفة من هذه الوسائل حول أسباب الجريمة، وإحالة النماذج التي تطرحها من الجرائم إلى الأطباء النفسانيين، وهذا التعتيم يهمش الإحصائيات فتصبح الأرقام الخاصة بالجريمة أقل بكثير من تقييم الحقيقة، وكذلك من تقييم أقسام الشرطة في المنطقة. غياب الآباء وفي ذات السياق، علق خالد العنزي أن غياب رب الأسرة لفترات طويلة في الاستراحات مع أصدقائه، أو خروجه في رحلات البر من الاسباب الرئيسية لانحراف الأبناء، ومن ثم دخلوهم علام الجريمة تحت هذا الغظاء الضبابي ،كما ان غياب الآباء يخلق فجوة وسيناروية من الجفاء بين الابن ووالده . التوجيه التربوي ومن جانبها، أكدت أم محمد أن من المنظومات الساخنة لانحراف المراهقين نحو جرائم السرقة وهتك العرض والقتل لا تنبع من فراغ وإنما يحركها الفارغ، وغياب دور التربية والتعليم في تحصين الأبناء من الجرائم، واتهمت المناهج الدراسية بعدم تحقيقها للإشباع الفكري للطلاب وتحصينهم فكريا من الوقوع في براثن الجريمة بمختلف أنماطها. عقوبات رادعة ومن جانبه، دعا ثامر الحربي إلى ضرورة إيجاد عقوبات رادعة للمجرمين على حد سواء المراهقين وغيرهم، لأنهم بؤر لإفساد المجتمع، ويرى حسب وجهة نظره أن منطقة حائل في حاجة ماسة إلى زيادة أقسام الشرط، وتكثيف الدوريات الأمنية وتجفيف المنطقة من جرائم السرقات والاعتداء على الأعراض، والتقرير بالفتيات. وطالب ثامر الحربي بعقاب رادع للمجرمين على حد سواء المراهقين وغيرهم لأنهم سبب في أفساد المجتمع كما يرى أن منطقة حائل تحتاج إلى زيادة في أقسام الشرط وتكثيف الدوريات الأمنية وزيادة رجال الأمن للتخفيف من جرائم السرقات وكذلك الاعتداءات على الأعراض والتغرير في الفتيات. أبواب الجريمة غير أن ثمة مراهق تائب رمز لاسمه ب(م، أ) اعترف أنه في فترة جنوحه كان يمارس الجريمة باحتراف كبير، وذكر أن أي برامج التلفزيونات وسيلة لتعريف المراهق الجانح بكيفية الدخول إلى هذا العالم المليء بالدماء والسلوكيات الإجرامية، منوها بضرورة اعتماد الانتقائية في البرامج التلفزيونية، مؤكدا أن برامج التلفزيون تجمع بين الغث والسمين مما يتيح ذلك إلى تعلم الأبناء الجريمة وطرق عملها كما أن المخدرات تلعب دورا كبيرا في ارتكاب الجريمة. أسباب ساخنة وفي سياق ذي علاقة بالموضوع، أكد مدير شرطة منطقة حائل العميد يحيى بن ساعد البلادي هناك أسباب عديدة وراء انحراف الأحداث وارتكابهم للجرائم باعتبارها ظاهرة اجتماعية قديمة ومن تلك الأسباب سوء التربية والمتمثلة في الإهمال، سوء التربية، غياب التوجيه والمراقبة والإشراف، العنف في المعاملة، التدليل الزائد، إهمال العلاقات الاجتماعية للحدث وفقدان القدوة الحسنة. إلى جانب التفكك الأسري وما يصاحبه من مشكلات وما يرافقه من تزعزع العلاقات والصلات الإنسانية والاجتماعية والتربوية. إضافة إلى تفشي ظاهرة الطلاق وهجر الزوجة وإهمال الأبناء وعدم الاهتمام بهم أو السؤال عنهم أو الإنفاق عليهم، وانشغال الأبوين كل منهما في عمله أو هواياته أو مشاكله وإهمال الأولاد وعدم إتاحة الفرصة لهم للعيش في جو أسري سوي يشعر فيه الحدث بأهميته ووجود من يرعاه ويحبه ويعالج مشاكله وبالتالي يجد الحدث نفسه مهملا وحيدا وهدفا سهلا للعادات السيئة ورفاق السوء والخلطة الفاسدة وتأثره بهم وسلوك طريقهم، والفراغ وعدم إشغال الوالدين وقت أبنائهم بما يعود عليهم بالنفع. وأضاف مدير شرطة حائل أن العوامل التربوية تندرج أن المدرسة هي الحاضن التربوي الثاني بعد الأسرة وهي أداة تقويم وتوجيه وتربية وتعليم ودورها مكمل للأسرة ومن العوامل المسببة للانحراف بسبب المدرسة ما يلي: إلى جانب عدم اهتمام المدرسة بالحدث وإهمال الجوانب الصحية والنفسية لديه بشكل يؤدي إلى الإحباط وبالتالي تكون العقد النفسية والاضطرابات التي تسبب الجنوح. علاوة على التميز في المعاملة بين الطلاب وإهمال غير المتفوقين. وعدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب وإتاحة طرق تدريس وغيرها من الأساليب التي تجعل الطالب يكره المدرسة. مسلسلات الرعب وتابع العميد البلادي أن وسائل الإعلام تعد أشد خطورة على سلوكيات المراهق لأن الحدث غالبا ما يكون فارغ البال ومستعدا للتأثر فأنه يتأثر بما يشاهده من أفلام ومسلسلات الرعب والجريمة قد تجعل الحدث يتفاعل معها وقد يعيش أحداثها مع عدم الرقابة الأسرية مما يطلق عليه عبر الوسائل الحديثة كالإنترنت. وغياب التوجيه العلمي والتثقيف المهني وعدم الإهمال بالهوايات النافعة والبرامج المشوقة للأطفال والأحداث قد يسيء للحدث وتؤثر في انحرافه. ويرى مدير شرطة منطقة حائل أن علاج جرائم الأحداث يتمثل في تضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والإعلام وقيام كل منهما بواجباته ومسؤولياته بالشكل الذي يحقق النمو السوي للأحداث ويعيدهم لحياة سوية مستقيمة وتتمثل هذه الجهود في تقوية دور الأسرة وفاعليتها في حماية الأطفال من العنف وسوء المعاملة ونشر الوعي بين الوالدين حول المشاكل التي قد يتعرض لها الأبناء وطرق معالجتها. ومراقبة الأبناء وخاصة ممن هم في سن المراهقة ومعرفة أصدقائهم واختيار لهم الرفقة الصالحة وإبعادهم عن الرفقة السيئة حتى لا يقعوا في الانحراف والجريمة وإشغال أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالنفع وتعويدهم على العمل الصالح وممارسة الرياضة المفيدة المتفقة مع آداب الإسلام كالفروسية والسباحة والرماية وغيرها وتعاون المدرسة والأسرة من أجل بناء شخصية الطفل العلمية والنفسية والاجتماعية وإعطاء الأطفال والمراهقين الفرصة للتعبير عن أنفسهم وطرح مشاكلهم وبيان ما يعانون وحلها، كما أن على المدرسة باعتبارها ثاني المؤسسات التربوية أن تعمل على مواجهة انحراف الأحداث بطرق علمية والعمل على بث الثقة في نفوس الطلاب وتحصينهم ضد الجريمة وانحراف وإشراك الطالب في الأنشطة العملية والاجتماعية بحيث يشعر أنه مسؤول إلى حد ما عن ماحوله وعن نفسه، وأخيرا لابد من تظافر الجهود الرسمية والأهلية والفردية والجماعية للتعاون على إنجاب جيل خال من العقد مؤمن بالله وحب وطنه وفعل الخير. إعادة التأهيل واستطرد مدير شرطة منطقة حائل أن الأحداث المنحرفين يحتاجون إلى عدة عوامل ليتم تأهيلهم وإعادتهم إلى المجتمع كأعضاء فاعلين ومنتجين ومن تلك العوامل الهامة في هذا الخصوص رعايتهم من خلال الأسرة والمجتمع وإلحاقهم بالمدارس والتدريب المهني ورعايتهم صحيا من خلال ضمان السلامة الجسدية والفعلية والنفسية والسلوكية للحدث وتوفير الأنشطة الترويحية المفيدة لهم لشغل أوقات فراغهم ورعايتهم تربويا من خلال التعاليم الدينية والقيم الخلقية وترسيخ مقومات السلوك الحضاري في نفوسهم، ورعايتهم بعد الإفراج عنهم والعمل على تكيف المراهق مع المجتمع لضمان عدم عودته للانحراف وحل المشاكل التي قد تضر فيه بعد الإفراج عنه والعمل على إعادة ودمجه بالمجتمع، وتعديل اتجاهات المحيطين بالحدث بهدف تخفيف ما يحيط بالحدث من ضغوط خارجية. التعريف بالمخاطر وأضاف العميد البلادي أن الأجهزة الأمنية تضطلع بعدة أعمال من أجل وقاية الحدث من الانحراف ومنها توزيع النشرات التوعوية عبر وسائل الإعلام وإقامة المحاضرات والندوات في المدارس وتعريفهم بأخطار الجرائم والممارسات الخاطئة على أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم وتقديم النصائح والإرشادات الوقائية من أجل حمايتهم والمحافظة عليهم من الوقوع في الخطأ والانحراف وتوضيح عاقبة الأحداث الذين ارتكبوا الجرائم لهم ليأخذوا العبرة والموعظة. كما تقوم دار الملاحظة الاجتماعية بجهود في إيواء الأحداث مرتكبي الجرائم لحين إصدار العقوبة الشرعية ضدهم وتقدم لهم عدة برامج وأنشطة داخل الدار من قبل أخصائيين اجتماعيين وتقييمهم ليعودوا أعضاء صالحين. اضطرابات عقلية ومن جانبه، أكد مدير مستشفى الصحة النفسية في حائل أخصائي أول محمد الرشيدي أن العوامل التي تسبب الاضطراب في سلوك المراهق تتمثل في المشاحنات، المشاجرات المستمرة بين الزوجين وبحضور الأبناء منذ نعومة أظفارهم، الشعور بعدم المحبة وبالرفض والنبذ والاحتقار داخل الأسرة، فكرة المراهق السيئة عن ذاته وعن جسده مع اعتقاده بأنه لا يصلح لشيء في هذه الحياة، إصابة أحد الوالدين أو كليهما بأيه أمراض عقلية خاصة الاكتئابية منها، إدمان الوالد أو الوالدة على العقاقير المخدرة وهذه العوامل تجعل المراهق سهل التكيف مع الاضطرابات العقلية، لأنه ذو مزاج خاص، فهو سريع الهياج ومتمرد على القيم الاجتماعية ولأنه غير قادر على حل المشكلات التي تعترض سلبية بطريقة تجلب له ولغيره السرور والراحة. ما يجعله يخرج على المألوف ويدخل إلى عالم الجريمة بمختلف أنماطها.