في سنة 1947م أصدر الدكتور إبراهيم مدكور كتابا بعنوان (في الفلسفة الإسلامية.. منهج وتطبيقه)، ويعد هذا الكتاب أحد أهم المؤلفات الرائدة خلال النصف الأول من القرن العشرين في حقل الفلسفة الإسلامية وتاريخها، الحقل الذي تأخر الاهتمام به في المجال العربي الحديث، وقل فيه الابتكار والإبداع، ولم يشهد فيما بعد تراكما متصلا يتسم بالتطور والتجدد. كما مثل صدور هذا الكتاب حدثا لافتا في وقته، كان جديرا بأن يؤرخ له في مسارات تطور الفكر الفلسفي الإسلامي المعاصر، وبشكل يستدعي التوقف عنده، وذلك لتميزه المنهجي والتاريخي من جهة، ولكونه جاء مبكرا وسابقا للعديد من الكتابات والمؤلفات في حقله. وحين تتبع الباحث اللبناني الدكتور ماجد فخري الدراسات الفلسفية في مائة عام، وتوقف عند الكتابات العربية التي أرخت للفلسفة الإسلامية، اعتبر أن كتاب الدكتور إبراهيم مدكور هو أفضل ما ألفه العرب المحدثون في هذا الباب، ومع أنه ليس تاريخا شاملا للفلسفة العربية، فقد بسط مؤلفه الأسس الصحيحة لمحاولة التأريخ للفلسفة العربية تأريخا جامعا، ومثل عليه تمثيلا حسنا. مع ذلك فهناك من تجاوز هذا الكتاب ولم يأت على ذكره، ولا أدري تغافلا أم نسيانا، أم لوجهة نظر عند أصحابها دون أن يصرحوا بها، ومن هؤلاء الدكتور أحمد محمود صبحي أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الإسكندرية، في دراسة تتبع فيها اتجاهات الفلسفة الإسلامية المعاصرة، حملت عنوان (اتجاهات الفلسفة الإسلامية في الوطن العربي). ومن هؤلاء أيضا، الباحث المصري الدكتور إبراهيم أبو ربيع في دراسة تتبع فيها التيارات الرئيسية في الفلسفة الإسلامية المعاصرة، حملت عنوان (الفلسفة الإسلامية المعاصرة في العالم العربي). ويذكر لكتاب الدكتور مدكور ويسجل له، أنه جاء بعد ثلاث سنوات على صدور كتاب الشيخ مصطفى عبد الرازق (تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية) الصادر سنة 1944م، هذه الفترة الزمنية المتقاربة جعلت كل كتاب يذكر بالكتاب الآخر، وهذا ما استفاد منه كتاب الدكتور مدكور، وذلك للشهرة الواسعة التي حظي بها كتاب الشيخ عبد الرازق لكونه من أسبق المؤلفات العربية في بابه. وظل الحديث عن هذين الكتابين مقترنا في بعض الكتابات العربية، كالذي أشار إليه الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه (التراث والحداثة) حين اعتبر أنهما يمثلان من أهم المحاولات، إن لم تكونا أهمها على الإطلاق، وأعطاهما صفتي الريادة والطموح، وقال عن مؤلفيهما إنهما من الأساتذة الذين ساهموا مساهمة كبيرة في إعادة بعث وإحياء الفلسفة في الفكر العربي الحديث، بعد أن بقيت مخنوقة مقموعة طيلة عصر الانحطاط، بل منذ وفاة ابن رشد. وهذا التزامن والاقتران بين الكتابين وما اتسما به من ريادة وتميز، لفت الانتباه إلى طبيعة تلك الفترة، فترة أربعينيات القرن العشرين التي يمكن أن تعد من الفترات التي شهد فيها الفكر الفلسفي الإسلامي المعاصر تطورا وتقدما وانبعاثا، أسهم في نهضة وتأسيس حقل الفلسفة الإسلامية وتاريخها، وذلك بعد أن كان هذا الحقل تهيمن عليه بشدة كتابات المستشرقين الغربيين. ويذكر لكتاب الدكتور مدكور أنه كتب بلغة سهلة وواضحة بعيدة كل البعد عن الغموض والتعقيد، وعن كل ما يكتنف كتب الفلسفة عادة قديمها وحديثها من تصعيب وإبهام، يكون متعمدا أحيانا، لتكون هذه الكتب من اهتمام الخاصة دون العامة. وهذه السمة كانت متوقعة ومنتظرة من الدكتور مدكور، وليست غريبة عليه، وهو الذي عرفه مجمع اللغة العربية بالقاهرة زمنا طويلا شارف نصف قرن، حيث انضم إليه سنة 1946م مع نخبة عرفت آنذاك بمجموعة العشرة الطيبة، كان من بينهم الدكتور أحمد زكي، والدكتور عبد الرزاق السنهوري، والدكتور عبد الوهاب عزام، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ محمود شلتوت وآخرون. وفي هذا المجمع، تدرج الدكتور مدكور في مناصبه من كاتب سر سنة 1959م، إلى أمين عام سنة 1961م، ثم رئيسا للمجمع سنة 1974م خلفا للدكتور طه حسين، وبقي في منصبه رئيسا إلى سنة 1995م. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة