حين ترسل تعليقا إلى إحدى الصحف فلا ينشر أو يجتزأ تشعر بأنك لاحيلة لك. حين تقرأ الخبر الذي رأيته بأم عينيك وعايشته واقعا عيانا قد تحول إلى قصة أخرى مختلفة تماما في عناوين الصحف وقنوات الإعلام التقليدي تشعر بأنك قد سقطت في الفخ. فلقد استقبل العقل ما يحجم إدراكه وودع الحقيقة لأنه لا حيلة له إلى الوصول إليها أو لربما إيصالها. حين تفاجأ بأن ما كان ينقل إليك من قصص وأخبار ليل نهار ما كان إلا رؤية بعيدة عن الحقيقة رؤية فرضها عليك الآخرون، حينها يشعر الفرد بأن لا لغة له فهو كالأبكم أو الأصم أو لربما أسوأ حالا فهو ليس محروما من الكتابة والنطق بل محروم من أن يرى الحقيقة تتسلل إلى شرايين عقله وتعانق عينيه أسطرها فتعبر عما بداخله! حينها تشعر أن الإعلام الذي ينتمي إلى هويتك يحاربك في قيمك ويتحدث بلسان غير لسانك فيتيقن المتلقي أنه تائه لا هوية له. اليوم يزلزل الإعلام الجديد كيان البيروقراطية الضبابية والتعتيم الإعلامي بل يتعدى ذلك إلى دفع الإعلام القديم ليسعى لمواكبته. يتساءل الكثير: أحقيقة هو الإعلام الجديد من صنع هذه الثورات في بلاد العرب !؟ أم أنها نظريات مؤامرة ؟، أم أنها قنوات بعينها !، أم ماذا...!. فلنفترض مثلا أن أحدهم كتب على صفحته في «الفيس بوك»: «متى تنتهي المناطقية والواسطة في بلدنا» ؟، يزور متصفحه صديق الدراسة الثانوية علي «الولد الكول» ذو الثقافة الضحلة فيكتب تأييدا للفكرة، يلاحظ هذا ابن عمه محمد «الجامعي» فيتذكر مقطعا من اليوتيوب عن فساد مسؤول أو عبارة لعضو برلماني «أديب» فيلصقها مضيفا إلى الفكرة فكرة أخرى، وهلم جرا. حتى يصبح التوسع في نقاش الأفكار المسكوت عنها أيا كانت سواء اتفقنا معها أو اختلفنا حينها يصبح نقاشها أفقيا على مستوى الأفراد ورأسيا على مستوى الشخصيات الذين لا سبيل لهم إلى الشهرة على الإعلام الجديد مساحات (الفيس بوك أو تويتر) سوى النزول عن عروشهم المصطنعة وتقبل أفكار الآخرين والاستفادة منها ومن ثم مناقشتها. وهنا يكون التأثير أفقيا وتهدم الطبقية الفكرية شيئا فشيئا حتى يلتقي الجميع على مستوى متقارب من النقاش والمطالب، وهو نتاج حوار اختياري لا سلطة فيه ولا رقابة ولا استعلاء، بل تمايز وتنافس ومحاولة للارتقاء بما يقدمه كل فرد من أفكار.. الإعلام الجديد لمن أراد فهمه، لغة صنع أدواتها كاميرا الهاتف المحمول، الانترنت، تطبيقات الويب (فيس بوك تويتر يوتيوب)، والأهم من هذا كله هو عقل يتقد بالمواهب فهد أحمد عطيف باحث في لغويات الإعلام