قد يحدث أحيانا أن نتبنى موقفا ما، نراه من إملاءات العقل، التي يجب علينا الإصغاء لها، فنتحمس له وندافع عنه، ونرفض المساومة حوله أو قبول بديل له، لأننا مقتنعون أن الموقف الذي تبنيناه الصواب لأنه ناجم عن أمر العقل، والعقل لا يأمر إلا بالصواب، فهل حقيقة أن العقل لا يأمر إلا بالصواب، ألا يمكن للعقل أن يخطئ ويضل؟ من خلال تجربتي مع طالباتي العزيزات، أتوقع أن الإجابة على هذا السؤال ستأتيني سريعة، منطلقة من غير تريث أو تشكك متضمنة أن «العقل لا يخطئ، العقل منبع المعرفة والحكمة ولا يأمر إلا بالصواب». لكن هذه الإجابة المتسرعة لا تفيد شيئا، سوى أن تكون تمثيلا صادقا للواقع الذي يعيش فيه كثير من الناس، حين يظنون أنهم يعرفون الحقيقة وهم أبعد ما يكونون عنها، فجهل الإنسان بالحقيقة يجعله يظن أنه يعرفها، هو لا يتبين جهله لها ويقر به، إلا بعد أن يتسنى له القبض عليها فيراها أمامه عيانا بيانا على غير ما كان يظن!! تجارب الحياة تفيد بأن الناس أحيانا يظنون أنهم يفعلون الصواب بأتباعهم رأي العقل الذي يزعم لهم صواب ما يفعلون، لكنهم في الواقع قد لا يكونون كذلك، هم أحيانا يقعون ضحايا لشرك من مخادعة العقل وتضليله وهم لا يشعرون. الناس يظنون أن العقل لا يأمر إلا بالحق، وأن العقل لا يخدع صاحبه ولا يكذب عليه، لكن العقل في حقيقة الأمر ليس كذلك، ليس محصنا ضد التعرض لما يقع في الصدر من أهواء، وقد يصدر أحكاما بالاستحسان أو الاستقباح بناء على أهواء خفية لا تظهر جلية على السطح، تسللت إليه فوجهت رؤيته، فيميل إلى التدليس بالسعي إلى إيجاد حجج يبرر بها ما يرى، وربما اجتهد أكثر في التضليل فبحث عن حجج أخرى يفند بها ما هو مغاير لرؤيته فالعقل من طبيعته أنه يبرع في سوق مضمونها أن «الإنسان وهب العقل ليتمكن من خلق المبررات لما يريد»، فالعقل ماهر في تزييف الحقائق وصبغها بصبغة الحكمة والصواب حتى وإن لم تكن كذلك في واقع أمرها. ألسنا نجد العقل أحيانا، ينظر إلى أمر واحد بمنظار مزدوج، فيراه مرة عدلا وأخرى ظلما، ومعياره الوحيد في ذلك، تحقق المصلحة! لكن هذه المصلحة التي تكون مصلحة خاصة بالذات وربما تضمنت ما هو ضد مصلحة الآخر! وطالما أن الأمر كذلك، لم إذن بعد اختيارها حكما عقليا وليس حكما (هوائيا) نابعا من حب الذات والرغبة في تحقيق مصالحها؟ أليس من تدليس العقل، أنه يسوق أحيانا أمام الناس قرارات يرونها نافعة لهم، وإن كانت مشبعة بالقسوة والظلم لغيرهم، لكنهم يقبلونها فخورين يتباهون بها على أنها رأي العقل الذي لا يأمر إلا بالحكمة والصواب؟! ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة