على سفح أحد الجبال شمال المدينة تظهر معاناة المئات من الأهالي الذين يضطرون للعبور من خلال طرق وعرة للوصول إلى مساكنهم في حي الزهرة الذي قدم إليه أول ساكنيه قبل 19 عاما بعد اعتماد البناء فيه عام 1413ه، إلا أنه لا يزال يفتقد لأبسط الخدمات الأساسية وتحول أحد أطراف الحي إلى مجمع لتصريف المياه الآسنة مصدرها جهة حكومية. لحظة دخولنا حي الزهرة الذي يقع خلف مجمع طباعة المصحف شمالي المدينةالمنورة أيقنت حجم المعاناة التي يتكبدها سكان الحي في الوصول إلى العالم الآخر، فالمعاناة لا تقتصر على الطرق الترابية التي تحيط بالمساكن من كل اتجاه، ولا يمكننا تلخيص المأساة في طرق ترابية شقها السكان بمركباتهم على مر السنين التي أغفلت أمانة المدينة «الزهرة» عن خطط ومشاريع التنمية عمدا أو سهوا أو إهمالا، ولكن حين رأيت ذلك الرجل الطاعن في السن يسير في عكس اتجاهنا ويعبر بسيارته برفقة عائلته يشق ذلك الطريق الذي سلكناه للولوج إلى الحي المنسي، حيث يتطلب خروجهم من الحي الصعود إلى قمة أحد المرتفعات عبر طريق ترابي وعر يستحيل للمركبات الصغيرة العبور من خلاله. وعورة الطرق المعاناة تجسدت حين وصلنا إلى تجمع لعدد من ساكني الحي في الصباح الباكر، وعند التقائنا بهم أشاروا بأن خطاباتهم المتكررة ظلت حبيسة «أدراج الأمانة» طوال السنوات الماضية، ثم أيقظوا شحنات الألم بداخلهم وبدأوا يلقون على «صفحاتنا» أكواما من المعاناة أجبرتهم بأن يعيشوا على طريقة ساكني الكهوف والتوقف عن اللحاق بتنمية تعيشها باقي الأحياء المدينةالمنورة. يقول صالح حمد الدبيسي، أحد أوائل من سكنوا حي الزهرة: أمضيت نحو 19 عاما وأنا أسكن هنا، وفي كل يوم أفكر في الهجرة لاستوطن حيا آخر حتى تكتمل منظومة الخدمات الأساسية في «الزهرة»، فكما تشاهد كل طرقات الحي «ترابية»، فنحن نعبر من طريقين كل واحد أكثر صعوبة من الآخر وكلاهما يتطلب الصعود والهبوط من قمة ذلك المرتفع، كما يرفض المقاولون القدوم للحي بسبب وعورة الطرق، أو يشترطون مبالغ إضافية لجلب عمالهم لإنشاء المساكن، فمواد البناء يتم إيصالها بصعوبة، وقد خاطبنا أمانة المدينة أكثر من مرة لتعبيد الطرق وإنارتها لكن دون جدوى. ويحكي كريم مقبل المحمدي معاناة أخرى قائلا: في كل يوم نعبر هذا المرتفع مرتين ذهابا لنقل بناتنا وأبنائنا إلى مدارسهم، دون أن تعتمد إدارة التربية والتعليم إنشاء مبنى مدرسي واحد للبنات والبنين، فيما حظيت قرى وهجر يقل عدد سكانها عن 300 فرد بمشاريع ومبان تعليمية. ويضيف المحمدي «نقطع يوميا مسافة 13 كيلومترا ذهابا لنقل بناتنا وأبنائنا للمدارس، خاطبنا جهات عدة وسائل نقل خاصة لتولي المهمة بمبالغ مغرية، إلا أن الجميع يرفض بعد التوصيلة الأولى والبعض يتراجع مباشرة بعد رؤية الطرقات التي تشوه وجه «الزهرة»، لتزداد المعاناة في ظل رفض جميع حافلات المدارس الرسمية نقل طالبات وطلاب الحي لمدارسهم، والسبب كالعادة وعورة الطريق». 19 عاما بلا مركز صحي ويقول بادي عويض المطيري بلغنا أن إدارة المشاريع في أمانة المدينة اعتمدت مشروعا لسفلتة شوارع الحي وتم تسليمه لشركة مقاولات شهيرة، إلا أن الشركة ما زالت تماطل في ندب معداتها للحي. ويضيف، عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان فالأمر يتطلب تدخلا عاجلا، فأهالي الحي يسلكون الطريق الوعر للانتقال إلى مركز صحي الحي المجاور أو المستشفيات، مضيفا «لا أحد يملك عصى سحرية لتحويل الحي إلى حي نموذجي مكتمل الخدمات بين يوم وليلة لكن لتكن سفلتة الطرق وإنارتها الخطوة الأولى». مسجد الحي فيما يقول بدر حمد السهلي، تجاهل الإدارات الحكومية للحي وسكانه، لم يقتصر على النواحي التعليمية والصحية والخدمية، بل إن إدارة شؤون المساجد في فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف رفضت تسلم مسجدا أنشأه فاعل خير من سكان الحي لإقامة الصلوات فيه، حيث ما زال الأهالي يتولون النواحي التشغيلية للمسجد ولم يخصص له إمام أو مؤذن أو عامل لتنظيفه حتى المياه الخاصة بالوضوء نجلبها للمسجد. ويتناول طرف الحديث كل من فريج المرواني، وإبراهيم صالح، حيث يشيران إلى أن الحي ينتقل أثناء الليل إلى عالم آخر، فالظلمة تحيط كل أطرافه، والداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، ناهيك عن الحيوانات المفترسة التي شاهدناها غير مرة في زوايا الحي وأمام منازلنا. مستنقع آسن وفي مشهد آخر، يحكي تفاصيل الحلقة الأخيرة من المعاناة، تأكد لنا الفرق الشاسع بين اسم الحي «الزهرة» والواقع الذي يعيشه ساكنوه، حيث تحول مجرى الوادي المحاذي للحي من الناحية الغربية إلى مستنقع امتلأ بالمياه الآسنة، ويجمع السكان على أن مصدره مركز تدريب الدفاع المدني الذي يفصله عن المجرى أمتار معدودة، حيث اكتست مساحة كبيرة من الوادي بمياه ملوثة تهدد بانتشار الأوبئة والحشرات الناقلة للأمراض. ويشير أحمد قسمي العنزي إلى مخارج للمياه تتركز أمام بوابة مركز الدفاع المدني تنبع منها المياه جوف الوادي، ملمحا إلى أن تدريبات الأفراد على أعمال الإطفاء وكذلك استخداماتهم الاعتيادية للمياه أوجدت المستنقع. الدفاع المدني يرفض الاعتذار «عكاظ» واجهت المتحدث الإعلامي للدفاع المدني في منطقة المدينةالمنورة الرائد خالد مبارك الجهني الذي دافع عن إدارته، الذي رفض أن يقدم اعتذارا للسكان بحجة أن مصدر المياه الملوثة ليس «مركز تدريب الأفراد»، كما يشيع سكان الحي، وقال الرائد خالد الجهني «المركز تم إخلاؤه مؤخرا بغرض تنفيذ مشروع مبنى بديل، وقد تسلمت شركة مقاولات المشروع مؤخرا الذي تبلغ تكلفته نحو 600 مليون ريال، ويتضمن مشروعا لتصريف المياه، فيما يتدرب المجندون حاليا في مركز تدريب بديل في حي عروة. من جهته، أشار الناطق الرسمي في المديرية العامة للشؤون الصحية في منطقة المدينةالمنورة عبدالرزاق بن عبدالعزيز حافظ إلى وجود خطة توسعية مرتبطة بالميزانية التي خصصتها الوزارة للقطاع الصحي في المنطقة تتضمن استحداث مراكز صحية في عدة أحياء سكنية، وفقا لدراسات ميدانية تنفذها المديرية في هذا الشأن، تستند لأعداد السكان وتوزيع المرافق الصحية القائمة لضمان خدمة سكان كافة الأحياء، مبينا أن مركز صحي الجرف يقدم الخدمات الطبية لسكان حي الزهرة حاليا، ولم يجر اعتماد إنشاء مركز صحي في «الزهرة» حتى الآن. من جهته، قال مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في المنطقة الدكتور محمد بن الأمين خطري، إن إدارته تسلمت المسجد مؤخرا، مضيفا المسجد عبارة عن بناء مؤقت باسم أحد الأهالي، ويشرف الفرع على تشغيله بموجب عقد صيانة، وقد تم الرفع للوزارة بطلب إنشاء مسجد دائم في الحي وأدرج في كشوفات المساجد ضمن الميزانية في انتظار الاعتمادات المالية له. فيما أكد مصدر في فرع الشؤون الإسلامية بأنه لم يتم تعيين إمام لمسجد حي الزهرة، فيما اجتاز أحد المؤذنين اختبارا في فرع الوزارة في انتظار إيجاد رقم وظيفي شاغر لتعيينه مؤذنا لمسجد الحي. فيما لم يتسن الحصول على رد إدارة التربية والتعليم، إذ لم يجب الناطق الإعلامي على اتصالاتنا المتكررة.