المهتمون بدراسات التغير الاجتماعي، قد يلفت نظرهم ما يظهر أحيانا من انقلاب واضح في ثقافة المجتمعات، فينشغلون في التفكير حول الأسباب والعوامل التي أحدثت ذلك التغير ودفعت به إلى السطح. إلا أنه من المهم الإشارة هنا إلى أن التغير الثقافي الذي يصيب المجتمعات لا يحدث فجأة وإنما هو يمر متسللا بنعومة فينقل المجتمع من حال إلى أخرى، يكاد لا يشعر بحدوثه الكثيرون. وفي أيامنا هذه، يمكن القول إننا نعيش مرحلة انتقالية أو تجسيرية تطمح أن نصل من خلالها إلى وجه آخر مختلف لحياتنا الاجتماعية، وقد لا نكون مخطئين إن قلنا إننا بدأنا نرى تباشير الوصول، متمثلة بظهور نماذج من التغيرات المذهلة في ثقافاتنا الاجتماعية وخاصة ما يرتبط بنمط التفكير وأسلوب التفاعل مع القضايا المختلفة. ما يهمني من تلك التغيرات على وجه التحديد، هو التأمل في التغير الطارئ على ثقافة النساء في مجتمعنا، وهو تغير نلمسه في شخصية المرأة، وفي تفكيرها، وفي نمو وعيها قبل أن نلمسه في أي جانب آخر، وهو ما يعد من أهم جوانب التغير في حياة الفرد. قبل أيام أدركت مجموعة من معلمات محو الأمية أنهن بخس حقهن حين جحدت وزارة الخدمة المدنية شمولهن بالأمر الملكي القاضي بالتثبيت لمن يعملون حاليا على البنود، فاستثنتهن ولم تدرجهن في قوائم المثبتات. وما يبدو هو أن وزارة الخدمة لم تدرك بعد ملامح التغير الطارئ على شخصيات النساء، فظنت أنهن ما زلن على نمط الشخصية القديم، شخصية المقهور، التي من أبرز ملامحها الاستسلام والرضا (بالنصيب)، فشجعها ذلك على التغافل عن ضمهن إلى قوائم التثبيت اعتمادا على أنهن (كالعادة) سيصمتن ويقبلن (بالمكتوب). فات على الوزارة الموقرة أن تدرك أن ثمار التغيير بدأت تنضج، وأن النساء الآن صرن غير النساء! فبعد أن تورط (سي السيد) وقدم لهن التعليم الذي قادهن إلى الوعي، وأدراك ما لهن من حق وسبل الحصول عليه، لم يعد أمامه مفر من التعامل معهن بحسب هذا الوعي الجديد، والكف عن محاولة اللف والدوران بهدف تضليلهن وتضييعهن. حين عرفت النساء أنهن ظلمن وأن الله على نصرهن لقدير، نجحن في أن يتحدن فيما بينهن فيجمعن كلمتهن في تضامن يستحق الإعجاب، ونجحن في أن يحطمن قيد الخوف والرهبة من الإقدام، والتوجس من العواقب، فاستطعن أن يتخذن خطوة إيجابية تمثل فيها إيمانهن الكامل بحقهن، وإصرارهن التام على الحصول عليه. فتوجهن إلى وزارة الخدمة لإسماع الوزير صوتهن! وجاءت النتيجة تحمل معها تباشير تغير الحال، من الدفن بين طيات الظلام، إلى النشر تحت أشعة الحق الساطعة. أما ما هو أغرب وأشد إثارة في مظاهر التغير الثقافي المجتمع، فهو أن الرجال تعلموا الدرس من النساء. حين رأى معلمو محو الأمية النجاح الذي حققته المعلمات بدفاعهن عن حقوقهن التي أوشكت أن تبتلعها غياهب وزارة الخدمة المدنية، استلهموا تجربة المعلمات، وقرروا اقتفاء أثرهن والسير على خطاهن مسترشدين بهن. كم من درس رائع علمته النساء للرجال، لكن (سي السيد) مازال مصرا على النوم وحيدا في برجه العالي! فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة