لم تكن آراء المواطنين وحدها متفقة حول سلبية المجالس البلدية ومحدودية دورها وصلاحياتها، بل أقر بذلك رؤساء وأعضاء المجالس أنفسهم، فالطموحات بالنسبة لهم وتحقيقات تطلعات المواطنين كانت تذهب بعيدا، بيد أن الأنظمة -كما يصفونها- كانت كالفولاذ، حوصروا معها في نطاق ضيق، وصلاحيات محدودة، لم تمكنهم من الإيفاء بوعودهم التي أطلقوها إبان فترة الانتخابات، حين خيل لكثير من الناخبين أنهم سيكونون شهودا على مرحلة طفرة خدماتية غير مسبوقة. انتهى العام الأول من بداية المجالس البلدية ولم تلح في الأفق أية مؤشرات مبهجة، ومع ذلك التمس المواطنون لأعضاء المجالس العذر، في كونهم يخوضون تجربة جديدة، وأنه لا يزال أمامهم متسع من الوقت لفهم دورهم ومعرفة صلاحياتهم، ومن ثم العمل على ترتيب أجندة أعمال واضحة؛ للشروع في تنفيذها وتحقيقها على أرض الواقع. غير أن أعضاء المجالس -من جهتهم- اصطدموا كذلك برؤساء البلديات، حين رشحوا أنفسهم لرئاسة المجالس البلدية في بداية أعمالها، الأمر الذي أثار الكثير من الخلافات حول ما يمكن قبوله أو رفضه، وما حددته لائحة المجالس البلدية من صلاحيات لأعضائها، التي يرونها مقيدة لا تحقق أبسط تطلعاتهم. في كثير من اجتماعات المجالس البلدية كانت تتعالى أصوات الخلاف، لأن رئيس المجلس وبحكم منصبه أيضا كرئيس للبلدية، كان يرفض بعض ما يقدم من آراء ومقترحات، بل إن بعضهم كان يرفض اطلاع الأعضاء على بنود الميزانية. وبدأت أعمال المجالس البلدية تسير بشكل مرن بعد أن تخلى رؤساء البلديات عن رئاستها، وبات الأمر بين يدي الأعضاء لترشيح رئيس لهم، الأمر الذي مكنهم من اتخاذ العديد من القرارات والتوصيات في جملة من المشاريع البلدية، ورغم كون العديد من الأعضاء يرون أنهم أدوا ما عليهم وفق المتاح لهم من الصلاحيات، إلا أن النظرة السائدة لدى المستفيدين من تلك الخدمات ظلت قاتمة وغير مقتنعة. حق مشروع وحول ما إذا حقق أعضاء المجالس البلدية طموحاتهم في تلبية احتياجات المواطنين، ورؤيتهم أيضا حول صلاحياتهم في المجالس، أشار رئيس المجلس البلدي في أمانة منطقة الباحة عبد الناصر الكرت، أنه من حق المواطن أن يتساءل مع قرب انتهاء دورة المجالس البلدية الأولى، عما تحقق من إنجازات تلبى متطلباته واحتياجاته، وأن يطالب المجالس بالإفصاح عما قدمت خلال سنواتها الماضية، وأضاف أن على أعضاء المجالس في المقابل أن يسألوا أنفسهم عن مدى تحقيق تطلعات الناخبين وطموحاتهم، مؤكدا أن المجالس حققت بعضا من ذلك. وأضاف رئيس بلدي الباحة «مع أننا على قناعة بما قدمه المجلس في حدود صلاحياته المنحصرة في التقرير والرقابة، فإننا لسنا راضين تماما عما تم تنفيذه ميدانيا». إسهامات المجلس وأوضح الكرت أن من أهم القرارات التي تم اعتمادها، تطوير وتحسين المنطقة المركزية في محافظة الباحة، اعتماد الطريق الدائري، اعتماد الجسور والأنفاق، اعتماد تحسين مداخل القرى الواقعة على الطريق العام، تحسين وتطوير منتزه رغدان وبقية المنتزهات، التوسع في أعمال السفلتة والإضاءة داخل المدينة والقرى التابعة لها، وإنشاء المرصد الحضري، مضيفا أن من أهم المشروعات التي حققها المجلس، الموافقة على المخطط الهيكلي للمحافظة، بما في ذلك إدراج 25 مشروعا رئيسيا مقترحا، أخذت في الاعتبار حين اعتماد المخطط، التوسع في مجالات الاستثمارات البلدية، والعشرات من القرارات الأخرى سواء المعتمد أو ما هو قيد الدراسة أو التنفيذ. تضارب الأنظمة من جهته، أشار نائب رئيس المجلس البلدي في محافظة بلجرشي علي جمعان آل سليمان، إلى تضارب بعض نصوص لوائح المجلس البلدي؛ منها المادة الثانية التي تنص على أن «يتولى السلطات في البلدية كل من المجلس البلدي ورئيس البلدية»، لافتا إلى وجود أكثر من مادة في نفس النظام تبين أن آلية المراقبة محددة بما يرفعه رئيس البلدية في تقاريره، في حين تشير الفقرة (أ) من المادة الثانية إلى أن «المجلس البلدي يمارس سلطة التقرير والمراقبة»، مؤكدا على ضرورة الفصل بين سلطات المجلس ورئيس البلدية، وأن الخلط بينهما يعد خللا في تلك الأنظمة، ومشددا على ضرورة إضافة ما يحدد آلية المراقبة، وصرف النظر عما يرفع من رئيس البلدية. وبين آل سليمان أن فتح المجال لجميع المواطنين لترشيح أنفسهم لعضوية المجالس البلدية دون ضوابط مقننة، سيسهم في إضعاف المجالس البلدية، لافتا إلى أنهم طرحوا أكثر من اقتراح خلال تنظيم ورشة العمل التي انعقدت في الوزارة، منها أهمية أن يكون المرشح ذا مؤهل علمي ومهني ملائم لطبيعة أعمال المجلس، «غير أنه لم يؤخذ بمثل هذا الاقتراح، رغم أهميته». توسيع صلاحيات المجلس رئيس المجلس البلدي في محافظة قلوة رزق الله محمد رزق الله، أشار إلى أنه في بداية تسلم أعمالهم في المجالس البلدية، لم تكن لديهم دراية كاملة بمهامهم وأعمالهم ونطاق صلاحياتهم، مبينا أن «الصورة اتضحت مع مرور الوقت»، ولافتا إلى أن المجلس كان يطمح في أن تكون للمجلس استقلالية تامة، خصوصا في ما يتعلق بالنواحي المالية، وتفريغ عدد كاف من الموظفين حتى يمكن للمجلس تأدية دوره وفقا لتطلعات المواطنين، وسرعة اعتماد وتنفيذ المشاريع. حبر على ورق من جهته، أعرب عضو المجلس البلدي في محافظة المخواة أحمد عطية الغامدي، عن عدم رضاه بما قدمه المجلس، واصفا وضع أعضائه بالصوري، وأنه ليست لديهم أية صلاحيات تخولهم بأداء أعمالهم وفقا لتطلعات المسؤولين والمواطنين، إضافة إلى عدم تجاوب الأمانات والبلديات، وأن توصيات الأعضاء ومقترحاتهم «لا تعدوا كونها حبرا على ورق». وطالب الغامدي أن تمنح المجالس البلدية صلاحيات في إقرار وتنفيذ المشاريع، وأن تكون لها مبان إدارية مستقلة وميزانية خاصة بها، تمكنها من أداء مهامها دون أن تواجه أية عوائق أو تدخلات تحد من صلاحياتها. خيبة أمل ويرى أهالي الباحة أن الوعود التي أطلقها الأعضاء خلال فترة ترشيحهم، لم تكن سوى أوهام، إذ يؤكد كل من محمد سليمان، على صالح، وعبد الله عطية، أنهم يشعرون بخيبة أمل كبيرة تجاه المجالس البلدية، رغم بعض الاجتهادات التي وصفوها بالقاصرة وغير الفاعلة، بالنظر إلى محدودية صلاحيات الأعضاء التي تقتصر على الرقابة وإعداد التقارير، وقالوا «كنا نظن في بداية الأمر أن المجالس سيكون لها حضور فاعل، وأن تحقق ما عجزت عنه أو تباطأت في تنفيذه البلديات، وستشهد المحافظات خدمات بلدية مرضية، وتكون لها وقفة مع المشاريع التي تنفذ بشكل رديء، وأن تعمل على معالجة مختلف الإشكاليات في هذا الجانب، إلا أن الأمور سارت على نحو مخجل».