فيما اتفق بعض أعضاء المجالس البلدية في المملكة على نجاح تجربتها الأولى وأداء أدوارهم وفق الصلاحيات التي نصت عليها الأنظمة، رأى أعضاء آخرون أنها تحتاج إلى رفع مستوى الصلاحيات الممنوحة لها لتمارس دورها وتؤدي واجباتها، مشيرين إلى أنه لن يتحقق لها ذلك ما لم تستقل ماليا وإداريا عن الأمانات. ورأى نائب رئيس المجلس البلدي في جدة المهندس حسن الزهراني، أن المجالس البلدية بذلت جهودا متباينة، مرجعا الأسباب حسب تقديره إلى ندرة الكوادر الفنية الداعمة للمجالس، وانشغال بعض الأعضاء غير المتفرغين في أعمالهم الخاصة أو وظائفهم الرسمية، الأمر الذي حد من متابعتهم لما يتخذ من توصيات أو قرارات. وأكد الزهراني على حاجة المجالس إلى إعادة النظر في أعضائها، لافتا إلى ضرورة تفريغ «ما لا يقل عن الثلث منهم بشكل تام، ليؤدوا أعمالهم في المجلس على أكمل وجه، تحقيقا للأهداف المطلوبة». وقال «أعتقد حسب المعلومات التي تتناقلها الأوساط الإعلامية أن المجالس القادمة ستكون أكثر حظا من المجلس الحالي، لأن الوزارة كشفت عن خطوة لتوسيع الكثير من الصلاحيات الممنوحة للمجالس». واقترح الزهراني تحديد الدرجة العلمية لأعضاء المجالس الجديدة، ومتابعة لقاءات أعضائها التي حددتها اللوائح من خلال جهاز رقابي متفرغ في وزارة الشؤون البلدية والقروية، مشيرا إلى أن التزام عضو المجلس البلدي ببرنامج العمل الذي طرح فيه رؤيته كخادم للمجتمع، من أهم الأولويات ليتأكد الناخب من منح ثقته وصوته لمن يستحقها، لافتا إلى أن الوعي لدى الناخبين ازداد بفضل وجود آليات تكامل ومراقبة على تنفيذ برامج المنتخبين تضيق دائرة الجهل بدور عضو المجلس، وتعطي مزيدا من الشفافية وحسن الأداء. من جهته، اعتبر عضو المجلس البلدي في جدة بسام بن جميل أخضر، أن التجربة البلدية حققت أهدافها في أول ممارسة فعلية لها منذ انطلاقتها في المملكة عام 1426ه، وأكد أن الدور الذي أدته هذه المجالس يعد مرضيا، بالنظر إلى الصلاحيات المتاحة لها، على اعتبار أنها التجربة الأولى التي قد تشهد بعض السلبيات والانتقادات. وتوقع أخضر أن تكون الدورة الثانية التي ستبدأ في شهر ذي القعدة المقبل أكثر نضوجا في ظل تلافي كل الأخطاء التي حدثت سابقا، وقال «علينا أن ندرك من البداية أن التجربة جديدة، ومن الضروري أن تمر بمرحلة مخاض، وأن تشهد الكثير من التعديل والتقويم قبل أن تصل إلى الصورة التي تحقق طموحات الجميع»، وأضاف «على مدار السنوات الست الماضية كان الأداء العام مرضيا، وظهرت آلاف التوصيات التي ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في حل أغلب المشاكل العالقة، كما ساهمت المجالس بشكل واضح في مراقبة وتقويم العديد من المشروعات، وإيصال رأي المواطنين وهمومهم على طاولة الجهات التنفيذية». وتابع «من المهم جدا عندما نتحدث عن دور المجلس البلدي أو إنجازاته، أن نعي أن دوره الرئيس رقابي وليس تنفيذيا، ونحن في بلدي جدة أصدرنا على مدار الفترة الماضية آلاف التوصيات والقرارات التي تصب في صالح المواطنين، وتهدف إلى تخفيف المعاناة عنهم، وتوصلنا إلى الكثير من التوصيات المهمة التي رفعت إلى الأمانة ووزارة الشؤون البلدية، وأخذ بالبعض منها فيما لا يزال بعضها الآخر تحت الدراسة، كما أن هناك ملفات مفتوحة لا زلنا نعمل عليها، وأهمها ملفات تصريف السيول والأمطار، المياه الجوفية، الإصحاح البيئي، شبكة الطرق، نظام تصاريح المباني، الطوارئ، والحدائق والمساحات الخضراء». واعترف أخضر بتأثير العواطف والقبلية على تصويت المواطنين في اختيار مرشحهم للمجالس البلدية، وقال «لا ندعي أننا مجتمع مثالي، ففي الوقت الذي يذهب الكثيرون إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب العضو الذي يرونه قادرا على إيصال مشاكلهم، والتفاعل مع قضاياهم، هناك من يذهبون إلى نفس الصناديق من أجل دعم قريبهم أو صديقهم أو أحد أفراد قبيلتهم». وردا على سؤال حول رأيه في لائحة المجالس البلدية والتعديلات التي يقترحها، قال أخضر «اللائحة التي أصدرتها وزارة الشؤون البلدية تم تفصيلها بشكل دقيق على الواقع المحلي، ولعلها كانت ملائمة للفترة السابقة في ظل حداثة التجربة، غير أنها قد تحتاج إلى الكثير من التعديلات مستقبلا، ونحن في بلدي جدة طالبنا بشكل واضح بأهمية استقلال المجالس البلدية عن الأمانات والبلدية، ماليا وإداريا، حتى تكون هناك قوة في اتخاذ القرارات والتوصيات، وشددنا على ضرورة أن تكون قرارات المجالس نافذة بالنسبة للأمانات». ورحب أخضر بالتعديلات الجديدة التي أحدثت في لوائح الانتخابات، وأبرزها أن يصوت الناخب لمرشح واحد فقط يمثل الحي أو المنطقة التي يسكن فيها، وقال «هذا مطلب رئيس لنا، فسكان أي حي هم الأقدر على اختيار من يمثلهم، ومن المهم أن يعطي الناخب صوته لشخص يعرفه ويتواصل معه، بدلا من قائمة طويلة لا يعرف أغلب أعضائها». من جهته، قال عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور علي بن ظافر القرني، «مع اقتراب موعد الدورة الثانية لانتخابات أعضاء المجالس البلدية بعد التجربة الأولى، يحسن بنا أن نعود إلى الوراء قليلا، وكشأن كل البدايات شاب تلك الانتخابات بعض جوانب القصور، ومنها أن معظم المواطنين لم يكونوا على دراية كافية بنظام المجالس البلدية، وما يمكن أن يقدمه المجلس وأعضاؤه من خدمة للمواطنين ولمجتمعهم». واعتبر القرني ضعف الجهود الإعلامية في جانب التوضيح للمواطنين سببا مباشرا أدى إلى اكتفاء الناخبين بما احتوته الحملات الدعائية للمرشحين عبر وسائل الإعلام من وعود غير واقعية. وأضاف أن «مشاركة وسائل الإعلام الأخرى لم تقدم ما يمكن أن يعين ويحفز على المشاركة والاختيار، نتيجة لنشر إعلانات الطرق التي حثت على التسجيل والحصول على حق الانتخاب، في حين أن الإقبال على التسجيل لم يكن كبيرا، وظهر ذلك جليا في تدني نسبة المشاركة، وقلة عدد الذين أدلو فعليا بأصواتهم». وانتقد الدكتور القرني تنظيم الحملات ونصب المخيمات الدعائية، والتي لجأ إليها كثير من المرشحين لاستقطاب المؤيدين الذين كان يجمعهم الانتماء القبلي والعاطفة قبل أي شيء آخر، وما صاحبها من إسراف في المآكل والمشارب، وعقد المنتديات الشعرية والمحاضرات الوعظية، في حين لم يفصح المرشحون عما يمكن أن يقدموه من خدمات حقيقية للمجتمع. وأشار إلى أن الأعضاء الفائزين اصطدموا بالعقبات البيروقراطية، ورغبة البلديات والأمانات في احتوائهم، أو «تحييدهم على أقل تقدير»، ما أدى إلى وضع الأعضاء في حيرة بين الوفاء بوعودهم الانتخابية التي قطعوها على أنفسهم أمام ناخبيهم، والاعتبارات الإدارية والمالية التي تسير العمل في الأمانات والبلديات نتيجة لعدم وضوح الصلاحيات التي يمنحها النظام لأعضاء المجالس. المستشار القانوني عدنان الصالح، اعتبر صدور نظام المجالس البلدية في المملكة من أهم مظاهر الديمقراطية المعاصرة، ويعد مرحلة منطقية تمهد لمشاركة شرائح المجتمع في صنع القرارات الاستراتيجية، داعيا جميع المواطنين إلى المبادرة للتسجيل في قيد الناخبين، لما له من أثر في إيجاد مناخ تنافسي بين المرشحين، ينعكس إيجابيا على المجتمع. وطالب الصالح بإعادة النظر في بعض المواد المنصوص عليها في نظام الانتخابات البلدية، خصوصا ما يتعلق بمتابعة الخطط التي يدعو لها المرشح أثناء ترشحه، لافتا إلى أن النتائج كانت بعد فورة الوعود «عديمة اللون والطعم»، كما طالب بمحاسبة الأعضاء على الوعود التي أطلقوها إبان الحملات الانتخابية، دون أن يكون لها حظ من التطبيق على أرض الواقع «لنكون واقعيين وصادقين في ترشحنا، احتراما لحقوق الناخبين». من جهة أخرى، اكتفى أعضاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في جدة بما تضمنه البيان الأخير للجمعية، والذي أكد فيه امتناعها عن المشاركة في مراقبة الانتخابات البلدية المقبلة، نتيجة عدم إتاحة فرصة المشاركة في التصويت لجميع فئات المجتمع. تجدر الإشارة إلى أن الانطلاقة الأولى للمجالس البلدية تعود إلى العام 1343ه، حين أمر الملك عبد العزيز بتكوين (مجلس أهلي) في العاصمة المقدسة، يتكون من 12 عضوا يختارهم المواطنون لمساعدته في إدارة شؤونها، ليصدر بعد ذلك النظام العام لأمانة العاصمة والبلديات، متضمنا تشكيلات أمانة العاصمة والمجالس البلدية وواجبات كل منها.