بالرغم من المفارقات الموجودة ما بين المجتمع الغربي ومجتمعنا الشرقي، إلا أننا نتفق بالتأكيد في العديد من الطبائع البشرية، كوننا جميعا بشرا قادرين على إفساد حياة بعضنا البعض، وتحطيم طموح ومعنويات بعضنا البعض بجدارة. وهذا ما حاول المخرج داوود عبد السيد إظهاره في فيلمه «رسائل بحر»، عن طريق عرض قصة تتحدث عن معاناة المتلعثم، تدور أحداثها حول يحيى، الذي يقوم بدوره الفنان أسر ياسين (والذي كان من المفترض أن يقوم بهذا بالدور الفنان أحمد زكي قبل وفاته)، وهو شاب تخرج من كلية الطب، وبسبب معاناته من اضطرابات في النطق (التأتأة)، كان يتعرض إلى السخرية من أصدقائة وزملائه، فيترك الطب، ويقرر العمل صيادا، ويلتقي بأكثر من شخص لكل منهم قصة مختلفة. ويظهر من خلال عرض الأحداث، أنه لم يسلم من سخرية الآخرين، بل وصل إلى درجة من التأقلم مع هذا الوضع. إلى أن قابل نورة (بسمة) التي أحبها وأفصح لها عن معاناته، وبأنه كان يحاول دائما تحقيق آمال أسرته، ونجح بالفعل بامتياز ودخل كلية الطب، لكن مشكلته أنه لا يستطيع الكلام، فأصبح يطلب مرافقا وهو أخوه الكبير أن يتحدث نيابة عنه. وكان والده ينظر إليه بحزن، وكأنه خيبة أمل الأسرة، فهو طبيب مع وقف التنفيذ! الفيلم قام بفتح بوابة لإدخال المشاهد عالم من يعانون من (التأتأة) في النطق، والذين وضعوا حاجزا بينهم وبين المجتمع، بسبب جهله، وليس بسبب قصورهم. وأظهر داوود عبد السيد هذا الجانب، عن طريق صوت يحيى المصاحب لأحداث الفيلم، وكأنه صوت عقله، الذي تعمد المخرج إظهاره دون تأتأة، ليثبت أن مشكلته في النطق، لا تؤثر على عقله وتفكيره وذكائه، فجميع تحليلاته تعبر عن ذكاء، ووعي، وإحساس عال. «رسائل بحر» تم اختيارة كأحد أفضل الأفلام المصرية، وتم إرساله إلى مهرجان الأوسكار الأخير، للدخول في فئة أفضل فيلم أجنبي، والذي تم رفضه فيما بعد، ومع ذلك تحسب له شرف المحاولة.