لم يخل افتتاح الدورة السابعة عشرة لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط (26 آذار/ مارس – 2 نيسان/ أبريل 2011 ) من تضمين الحفل رسائل حول ما يحدث اليوم في بعض بلدان هذا الحوض المتوسطي. أرادت بعض الكلمات «التذكير بالقيم الانسانية لعل التذكير ينفع» أمام جمهور مدينة لا يزال يتذكر شغف التطوانيين بالسينما منذ أربعينات القرن الماضي، حين كان العالم والكاتب المغربي التهامي الوزاني يصطحب زوجته إلى قاعات السينما في قلب مدينة تطوان. اليوم بعد مرور أكثر من سبعة عقود اختفى من هذه المدينة المتوسطية الخاضعة لذاكرة جمعية مغربية منفتحة ومتسامحة حوالى سبع دور سينما، وهذا ما دفع برئيس الجماعة الحضرية لتطوان الى رفع الصوت عالياً مطالباً باستعادة هيبة السينما المفقودة من خلال استعادة الصالات أو تجديدها واصلاح ما قد تخرب أو تهدم. الرسالة الأهم كانت من خلال عرض فيلم «رسائل البحر» للمخرج المصري داوود عبدالسيد، في حفل الاحتفال. إذ حمل دلالات بليغة في هذا الوقت الاستثنائي الذي يمر به بعض دول الحوض المتوسطي، فالفيلم بحد ذاته دعوة للتفكير في القيم الجميلة التي لم تعد موجودة بيننا، أو تراجعت إلى درجة الخطر. وهو انتصار للشغف الانساني في هذا المضمار، فيحيى (آسر ياسين) هو طبيب شاب يعود إلى مسقط رأسه في مدينة الاسكندرية بعد أن عاف مهنته الجديدة بسبب مشكلة في النطق جعلت منه محط سخرية أصدقائه. يريد يحيى من عودته أن يبحث عن طمأنينة مفقودة من خلال وجوده في بيت الأهل وعمله صياداً، وربما أراد أن يذهب أبعد من ذلك من خلال البحث عن حبيبة عمره (كارلا الايطالية). يستطيع يحيى أمام الحب والموسيقى أن يتخلص أحياناً من التأتأة التي تبعده من التواصل مع العالم المحيط به. الحب هنا لا يصنع المعجزات، فهو شأن حياتي خالص ينادي عليه عبدالسيد من خلال القدرة على الانفتاح على الآخر والقبول به كما هو، وليس كما نريده، كما تقول فرنشيسكا (نبيهة لطفي) ليحيى في أثناء تفتح الخيوط الدرامية على بعضها البعض ووقوعه في غرام «مومس». ربما تشكل مدينة الاسكندرية هنا حاضناً كوزموبوليتانياً ناضجاً ومتنوعاً لاحتواء الفكرة التي يذهب إليها عبدالسيد، المثقف الديموقراطي والمحاور والمخرج المكرم في هذه الدورة من خلال عرض «البحث عن سيد مرزوق» و «أرض الأحلام» و «سارق الفرح» «أرض الخوف». ربما يكون لقابيل (محمد لطفي) في رسائل البحر الأبيض المتوسط معنى شديد الخصوصية. فحين تهب عواصف المرض على دماغه وتتهدد ذاكرته بالتلف يصبح مهماً هنا رواية أسماء الأماكن والأصحاب على صديقته بيسة لكي تحفظها من بعده، وبخاصة أن البعد الميثولوجي الذي يقدمه عبدالسيد جاء متكاملاً مع رفض قابيل ارتكاب جريمة ثانية، وجاء حريصاً على تأكيد قدرة هذه المدينة العجيبة في تآلفها مع كل أسرار الحوض المتوسطي المتعدد والبديع في تكويناته الانسانية. يشارك في هذه الدورة احد عشر فيلماً روائياً طويلاً جاءت من اسبانيا وتركيا وايطاليا وفرنساوالجزائر ومصر والمغرب وخمسة عشر فيلماً قصيراً معظمها يقع في خانة الانتاج المشترك وقد بدا الامر لافتاً للغاية هنا، كأن تشترك كندا وفلسطين أو فرنسا وفلسطين أو الجزائروفرنسا في انتاج فيلم قصير، وهذا ما لم يحصل مع الأفلام الروائية الطويلة بما يمكن أن يحمل من دلالات ليس من الصعب الوقوف أمامها، وهي تعكس منظومة تفكير في آلية الانتاج نفسها تعكس مدى صعوبة تحقيق فيلم قصير، ربما بسبب عدم وجود قناة توزيع جيدة له، باستثناء بعض المهرجانات المتخصصة التي «تلهث» وراءه مطالبة به كنوع مستقل وقائم بحد ذاته، وهذا ما لم يشفع له أيضاً، ما يدفع إلى القول بثقة إن مستقبل الفيلم القصير أيضاً مهدد بالخطر. كذلك تشمل مسابقة الفيلم الوثائقي خمسة عشر فيلماً جاءت من سورية وفلسطين والمغرب وفرنسا ولبنان ومصر وتونس. وتقوم تكريمات المهرجان على حلقات استعادية لبعض أفلام المخرج الراحل كلود شابرول والمخرجة الاسبانية شوز كوتريس من خلال عرض بعض أفلامها ومشاركتها في لقاء مفتوح مع جمهور وضيوف المهرجان، وكذلك تكريم المخرج المغربي عبدالقادر لقطع وعرض بعض أفلامه مثل «حب في الدارالبيضاء» و «وجهاً لوجه» و «ياسمين والرجال». وهناك عروض خاصة لبعض الأفلام جاءت من سورية مثل «روداج» للمخرج نضال الدبس و «فينوس السوداء» للتونسي عبداللطيف كشيش. على أن اشادة مدير المهرجان أحمد الحسني باستعادة بعض الأفلام اليونانية واستضافة سينما بعيدة مثل المكسيك لتحل ضيفة على حوض المتوسط هذه الدورة يجيء من باب تقريب البعيد، حيث تجد السينما في أبعادها الرحبة ما يشي بذلك، وبخاصة أن هذا البلد الكبير والبعيد يعيش على وقع مئوية ثورته، وهو الأمر الذي دفع بالحسني إلى اشادة خاصة بضيوف المهرجان من تونس ومصر وسط تصفيق حار ومدوٍ من الجمهور التطواني المتوسطي.