يقال إن غياب الخطط الثقافية في العالم العربي أثرت بصورة سلبية على ثقافة الشباب، وانعكس ذلك ضعفا في خطوطه الدفاعية عند مواجهته الغزو الفكري، فتسرب الفكر الغربي في عقول تلك الفئة الشبابية حتى أصبحت فريسة للأوهام والاغتراب، وكان مصيرها التبعية والغياب عن الصدارة في قيادة المجتمع. والحقيقة، أن الشاب المثقف الطموح انشغل بمستقبله وأهدافه السامية، فاهتم بإصلاح مجتمعه وتغيير واقعه غير المرضي، وامتهن العمل التطوعي المثالي، ودعا لرد الظلم الاجتماعي، فاستطاع تكوين قاعدة فكرية ثقافية متميزة، ومع ذلك توجد قلة لا تبالي بتثقيف نفسها لعيب فيها، وغالبا ما يكون العيب فيمن حولها؛ سواء كانت الأسرة أو المدرسة أو المجتمع. ولا ننسى أن الجيل الجديد تميز باستخدام التقنية الحديثة، وقد يكون الأول من تعامل معها بحرفية في العصر الحديث، وربما تشكلت ثقافة معظمه من الشبكة العنكبوتية «الإنترنت»، إذا تجاوزنا تأثيراتها السلبية في مختلف الاتجاهات؛ الدينية والفكرية واللغوية والأخلاقية والروحية. ولا يمكن في عجالة الإلمام بكل تفاصيل تكوين الثقافة الشبابية من كل جوانبها، فثمة استفهامات كثيرة للغوص في تعريف وبيان وتوضيح وإدراك الثقافة الشبابية، ويمكن الاكتفاء بخمسة من تلك الاستفهامات، والمجال مطروح أمام دارسي قضايا الشباب لمناقشة بقيتها وتوضيحها. عند الإجابة على أول تلك الاستفهامات الخمسة: كيفية تشكيل الثقافة الشبابية؟، سوف تنجلي الحجب في معرفة حقيقة الفكر الشبابي الغائب عن بعضنا، وسنتعرف بوضوح على أنواع الشباب، فقد طرح بعض الباحثين أنهم ينقسمون إلى ثلاث فئات؛ شباب يعيش في عالم خيالي، وآخر يعتمد على غيره، وفئة ثالثة تتطلع للمستقبل برؤية فاحصة، ويمكن العودة في ذلك إلى ما كتبه الباحث فراس الجندي؛ حيث أشار إلى أن وسائل الإعلام والثقافة الجماهيرية تقدم المعلومات في إيقاع سريع ومكثف يعزلها في أغلب الأحيان عن سياقها التاريخي، وتقدم نمط وجود شبابي نموذجي غير عابئ بالواقع وتحدياته، ومتحرر من كل الالتزامات، خاصة أن الإعلام التجاري أصبح عبر الفضائيات بتأثيره على الفئة الشبابية واستهدافه لها قادر على الوصول إليها، فأصبح مصدرا موثوقا للمعلومة بالنسبة للشباب. ومن ذلك نستوحي أن الشاب يستقي ثقافته من وسائل عدة؛ أبرزها الفضائيات، الإنترنت، وقليل من الكتاب والمثاقفة. الاستفهام الثاني؛ مدى تأثير المؤسسات التربوية والأسرية والمجتمعية والإعلامية في تكوين الثقافة الشبابية؟، ربما يؤكد ذلك الاستفهام تراجع دور تلك المؤسسات في التكوين الفكري والثقافي للجيل، وذلك لعدة أسباب؛ أبرزها: ابتعادنا عن معرفة ما لدى الشباب من قدرات ذاتية، وتردي مستواه الاقتصادي، وضعف الرقابة الأسرية والمجتمعية عليه، وغياب الحوار بينه وبين المجتمع، وقلة وعي الأسرة الاجتماعي ورقابتها له، وزيادة الضغوط الحياتية عليه، وتغليب الفكر المستورد على الأفكار المحلية، وعدم القدرة على تمييز بعضنا بين التعليم والثقافة. الاستفهام الثالث؛ هل الثقافة الشبابية علمية أم فكرية أم تكنولوجية أم تجمع كل هذه الأنواع؟، لعل كتابات وآراء وأقوال الباحثين تجيب على هذا الاستفهام، حيث يؤكد نفر منهم على أهمية دور المؤسسات الثقافية العربية في تحصين الشباب من الهجمات الثقافية الخارجية، والتمهيد لانفتاح منضبط على الآخر إعلاميا وثقافيا، وتيسير الترجمة للارتقاء بالشباب ثقافيا، ومحاولة صد تأثيرات الخطاب الثقافي الأيدلوجي، وهذا كله يؤكد أهمية تجذير الخصوصية الثقافية لدى الجيل، والعودة بهم إلى المنابع الثقافية الأصيلة، والتنشئة السليمة في تربيته، والتركيز على مجتمع المعرفة، وبالتالي يمكن اكتشاف الطاقات الشبابية القادرة على الإبداع والتنوع الثقافي، في ظل وجود العولمة الثقافية التي لا بد من تقنينها. الاستفهام الرابع؛ هل هناك شاب مثقف ثوري مناوئ ساخط، وآخر هادئ حالم مستلب؟، قد تكون التغيرات الاقتصادية في المجتمعات العربية كونت هذين النوعين من المثقفين الشباب، بتحويل أنماطهم السلوكية والفكرية بين هذا وذاك، أملا في الحصول على التميز الاجتماعي في غياب إجباري عن التميز الاقتصادي، مما أدخل بعضهم في سياقات سياسية أو شعبية أو مجتمعية أدت بعضها إلى ثورات فيما بعد، ومن كان متميزا اقتصاديا ابتعد كليا أو جزئيا عن التميز الثقافي، ولكي يدخل نفسه في دائرة المتميزين مجتمعيا اتجه إلى الثقافة الهلامية، التي لا بد وأن تسقط إما عاجلا أم آجلا بسبب ضعف مؤهلات وإمكانات من يحملها، ولا يمكن بأي حال أن تذكي هذه الثقافة أي الهلامية الحركة الثقافية لدى الشباب، بل تزيده عناء فكريا في مواجهة المجتمع المحلي والخارجي، وبذلك التبس المفهوم الثقافي الحقيقي لدى الشباب. الاستفهام الخامس؛ هل الثقافة خطر على الشباب أم أنها أمر إيجابي؟، باستقراء لما كتبه الباحثون وما يعكسه الشباب المثقف، فإنها تبتعد عن الخطورة كلما أسست وفق أرضية دينية وقيم ومعايير وأخلاقيات راسخة، لا أيدلوجية فيها ولا حزبية ولا تعصبية، فلا يمكن أن ينفصل شاب إذا أراد تكوين معرفته عن: ثقافته الإسلامية وموروثه الثقافي والتنوع الفكري، التي تؤهله جميعا أن يكون مثقفا عاقلا رزينا بارزا يرى المستقبل بعين ماضي أمته الثقافي، وبذلك يتكون لديه عقل جديد، متعدد في ثقافته متجدد في فكره. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 228 مسافة ثم الرسالة.