على الرغم من الإجراءات الحكومية لكبح ارتفاع الأسعار في السنوات الثلاث الماضية، إلا أن الأزمة مرشحة للتصاعد في الفترة المقبلة لعدم انتفاء معظم الأسباب المؤدية لها. وفيما دعا بعض الخبراء والاقتصاديين إلى ضرورة التفكير في ربط الريال السعودي بسلة عملات كبديل عن الدولار، والتوسع في مشروع الخزن الاستراتيجي للحبوب والسلع الرئيسة، رأى آخرون أن الأزمة تكمن بصورة أساسية في جشع التجار وغياب دور التعاونيات في طرح السلع بهامش ربح معقول. واتفق الجميع في المقابل على ضرورة إيقاف «الجنون الاستهلاكي»، وتوعية المستهلكين بضرورة البحث عن البدائل الجيدة بأسعار مناسبة خاصة وقت الارتفاع المبالغ في الأسعار، بالإضافة إلى تشجيع الإنتاج الوطني الذي يعاني من منافسة شرسة على أرضه من طوفان الاستيراد الذي يفوق الحاجة بمراحل متعددة. بداية، قال الاقتصادي سعود غسان السليمان إن الدعوة لفك ارتباط الريال السعودي بالدولار المتراجع باستمرار من أجل الحد من سلسلة الارتفاعات الأخيرة، قائمة منذ عدة سنوات، نتيجة تعمد أمريكا تخفيض سعر الدولار لضمان الإقبال على صادراتها، واستغرب في الوقت ذاته موقف وزارة المالية ومؤسسة النقد السعودي الرافض على طول الخط لمجرد التفكير في فك الارتباط، مشيرا إلى أن انخفاض الدولار مقابل العملات الأخرى مثل اليورو والين يؤدي تلقائيا إلى انخفاض الريال وارتفاع فاتورة الواردات من أوروبا وشرق آسيا وهي من أبرز الوجهات المفضلة للمستورد السعودي. واستشهد على تعمد أمريكا خفض الدولار بالتسييل الكمي للدولار من البنك الاحتياطي الفيدرالى الأمريكي، مشيرا إلى أن ارتفاع كلفة الواردات يسهم في زياة مستويات التضخم على المستوى الخارجي، أما على الصعيد الداخلي فإن من الأسباب الرئيسة للتضخم ارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية على وجه الخصوص، وزيادة قيمة الإيجارات بنسبة تصل إلى 40 في المائة في الإسكان الفاخر. ورجح السليمان عدم الإقدام على هذه الخطوة في القريب، أي «فك الارتباط»، في ظل عدم استفادة الكويت بشكل كبير من قرار فك ارتباط عملتها بالدولار، رغم أن ظروف كل دولة تختلف عن الأخرى، ورأى أن التحول إلى سلة عملات يبقى قرارا استراتيجيا يتم البحث فيه على أعلى المستويات، ويجب أن يخضع للمزيد من الدراسات، لكنه عاد ورأى في ارتباط الريال بالدولار عدة فوائد، لعل من أبرزها أن النفط السلعة الاستراتيجية للمملكة يتم تقويمه بالدولار، كما أن الكثير من أصول الصناديق الاستثمارية للمملكة في الخارج توجد في الولاياتالمتحدة. وخلص إلى أن أي انخفاض في سعر الدولار يقابله ارتفاع في سعر النفط، وبالتالي يظل هذا الوضع هو الأفضل على الأقل من وجهة نظر وزارة المالية ومؤسسة النقد. التضخم المستورد من جهته قال الاقتصادي عبد الله الشقيحي «إن القول بوقوف التضخم المستورد وراء ارتفاع الكثير من السلع في السوق السعودية جزء من الحقيقة، لكنه لا يشكل جميع الأسباب خلف جنون الأسعار، وفي صدارتها مبالغة الكثير من التجار والمستوردين في الأسعار. وأضاف أن مختلف الأسواق تعاني من تغيير سعر صرف العملة والظروف المناخية التي تؤثر على الإنتاج وارتفاع سعر النفط وأجور الشحن والتأمين ولكن الأسعار لم تلتهب فيها مثلما الوضع في المملكة. وطالب الشقيحي وزارة التجارة والجمارك وهيئة المواصفات بمزيد من التنسيق والتعاون، بما يضمن سرعة فسح البضائع وعدم تحميلها أعباء أرضيات إضافية، لافتا إلى مشكلات التكدس اليومية في الموانىء والخلافات على رسوم الكشف على السلع في المختبرات الخاصة. وأشار إلى أن التصدي للغش والتقليد ينقذ الاقتصاد السعودي من خسائر سنوية كبيرة. واستغرب الشقيحي عدم تدخل الجهات المعنية لضبط الأسعار، مشيرا إلى أن السوق السعودية لم تعرف عن سلعة ارتفع سعرها، ثم عاد للانخفاض وفقا للأسعار العالمية كما تنص على ذلك قواعد التجارة المتداولة. وتساءل كيف تنهض وزارة التجارة بمسؤولياتها، وهى التي ارتضت بألا يكون لديها العدد الكافي من المراقبين الذين يعملون في هذه السوق الشاسعة على الرغم من وجود وظائف شاغرة عديدة لديها، إضافة إلى أنها دعمت أخيرا ب500 وظيفة لدعم الرقابة على الأسواق. جمعيات تعاونية وعلى صعيد آخر طالب الاقتصادي علي الناقور بضرورة تشجيع الدولة إنشاء جمعيات تعاونية لبيع السلع الاستهلاكية بسعر تنافسي لذوي الدخل المحدود، الذين لم يعودوا قادرين على الاقتراب من المراكز التجارية الكبرى التي تبالغ في أسعارها بشكل كبير، داعيا إلى الاستفادة من التجربة الكويتية والإماراتية الناجحة في هذا المجال منذ سنوات عديدة وهم أقل منا سكانا بكثير. واستغرب تجاهل وزارة الشؤون الاجتماعية لهذا المشروع رغم الدعوات المتكررة له لاسيما وأن من شأنه أن يخفض من فاتورة كوبونات السلع الغذائية التي تدفعها الوزارة سنويا للفقراء والمحتاجين. ولم يستبعد في الوقت ذاته أن يجد هذا التوجه معارضة من كبار التجار والمستوردين بدعوى تأثيره على حرية السوق، كما اعترض القطاع الخاص سابقا على تجربة العلاج الاستثماري في المستشفيات الحكومية لتغطية جزء من نفقات العلاج المجاني وهو توجه معمول به في كل أنحاء العالم. وحول مشاريع الخزن الاستراتيجي للحبوب والسلع الأساسية، قال الناقور إنها في حاجة إلى تفعيل في المرحلة المقبلة من أجل مواجهة الارتفاع المتوقع في الأسعار في الفترة المقبلة، ويتكئ مشروع الخزن على إيجاد مخزون استراتيجي من السلع الأساسية ومنها القمح، الشعير، الذرة، فول الصويا، السكر، ولحوم الدواجن بما يحقق الأمن الغذائي ويحول دون نشوء أي أزمات غذائية في المستقبل، بالإضافة إلى الحفاظ على استقرار أسعار السلع. وأضاف أن مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي في الخارج، تهدف إلى الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي من خلال بناء شراكات مع العديد من الدول التي تمتلك مقومات زراعية عالية بحاجة إلى استغلال، داعيا إلى أن يتولى القطاع الخاص دور المستثمر الرئيس في هذه الدول مقابل حوافز تقدمها له الدولة. وأعرب عن أمله في أن تسهم الشركة السعودية للاستثمار الزراعي في الخارج في سد حاجة السوق المحلية. ورأى أن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب إعداد قاعدة بيانات عن الاحتياجات الآنية والمستقبلية من المواد الغذائية ورصد حركة الأسواق العالمية من خلال نظام فعال لضبط المخزون. زيادة الإنتاج لا الاستيراد لكن الباحث الاقتصادي عبدالله علي الخريف يرى أن التحدي الرئيس لمواجهة ارتفاع الأسعار هو الإنتاج وليس غيره، مشيرا إلى ضرورة تغيير الوضع القائم أو ترشيده على أقل تقدير. وأضاف أن تقليص فاتورة الاستيراد من الخارج بأسعار مبالغ بها مرهون بالتوسع في الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري أيضا. ورأى إمكانية زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني من خلال اختيار المحاصيل المرشدة للمياه والتوسع في طرق الري غير التقليدية وإلزام التجار بدعم المنتج الوطني. وأشار إلى أن المنتج الزراعي الوطني الذى يتعرض للتلف سريعا يواجه للأسف الشديد منافسة شرسة من الدول المجاورة، خاصة في وقت الموسم، وهو الأمر الذى يحتاج إلى إعادة نظر من أجل الحفاظ على استثمارات بملايين الريالات. أما على الصعيد الصناعي فالإنتاج يتراجع في ظل عدم اهتمام وزارة التجارة بإزالة المعوقات المختلفة أمام المصانع الوطنية في المدن الصناعية، لاسيما في شأن العمالة والرسوم وعدم وصول الخدمات في كثير من الأحيان. وأشار إلى أن إغلاق الكثير من المصانع الوطنية أبوابها أمر يستدعي التحقيق والوقوف أمامه لتعارض ذلك مع أهداف الاستراتيجية الوطنية، التي تستهدف رفع نسبة الصادرات الوطنية غير النفطية إلى أكثر من 100 مليار ريال. وطالب بضرورة تشجيع الإنتاج الحيواني للحد من استيراد اللحوم والدواجن، التي شهدت ارتفاعا تجاوز 40 في المائة في السنوات الأخيرة. ورأى أن النهوض بالإنتاج في المملكة يستلزم بالدرجة الأولى حل مشكلة العمالة في ظل ارتفاع رواتبها، داعيا إلى ضرورة أن يأخذ الشباب السعودي زمام المبادرة في العمل في القطاع الخاص واتخاذ إجراءات جادة لحماية الإنتاج الوطني.وعي المستهلك من جهته عول الاقتصادي فهد الروقي على وعي المستهلكين وحدهم في خفض الأسعار، من خلال ترشيد سلوكياتهم الاستهلاكية، مشيرا إلى أن العزوف عن المنتجات المبالغ في ارتفاعها يدفع أصحابها إلى إعادة النظر وتخفيض الأسعار، وذلك من واقع تجارب عديدة سابقة. ودعا إلى التفكير في الادخار من الراتب لظروف الحياة الصعبة، بدلا من إنفاق 60 في المائة منه على التسوق الأسبوعي، مشيرا إلى أن الشعب الياباني يوفر 35 في المائة من راتبه شهريا. وأشار إلى أن إجراء جرد شهري للسلع التي اشتريناها طوال الشهر سيكشف للوهلة الأولى عن حجم الهدر المالي الذي نرتكبه، داعيا إلى أن يكون الترشيد سلوكا معتادا وليس مرتبطا بأزمة أو موقف فقط. وتساءل ما هي الضرورة الملحة لتغيير السيارة كل عامين أو ثلاثة وما الداعي لوجود 3 إلى 4 سيارات في كل بيت مع أنه بقليل من الترتيب يمكن الاكتفاء بسيارة واحدة أو اثنتين على أقصى تقدير. وقدر حجم الإنفاق السنوي في سوق السيارات بأكثر من 10 مليارات ريال.