من أبدع ما توصل إليه العلم مع نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي الإنترنت، هذه التقنية الحديثة التي اختصرت العالم ووضعته بين أيدينا، فبلغ من سرعة تداول المعلومة ما اختصر كل المسافات، وألغى كل الأزمنة، وجاء بعلوم العالم ومعارفه، بقضها وقضيضها، بغثها وثمينها ووضعها بين أيدينا. في المقابل، ثمة دول وجهات عدوانية تستخدم الإنترنت وتقنياته في حروبها وقمعها واستعمارها، والنساء اللواتي يعشن على هامش الحياة وليس لهن من الاهتمام سوى ماذا يأكلن وماذا يلبسن وماذا يضعن على وجوههن وعيونهن من طلاءات وألوان وجدن في الإنترنت ضالتهن، كذلك أتاح الإنترنت لهن معرفة طبخات العالم وأكلاته والتعرف بل والتسوق مما أنتجته آخر دور الأزياء والمكياج من أزياء معهودة وغير معهودة ومن عطور وألوان تتزين وتتباها بها وليس مهما من أين يأتي زوجها بالتكاليف الباهظة اللازمة لذلك. والأخطر من هذا وذاك أن الشباب الذين هم عماد الحاضر وأمل المستقبل وجدوا في الإنترنت متسعا لملء فراغهم الكبير، وأصبح اهتمامهم موزعا بين ساحات الملاعب وشاشات الإنترنت، وسرقهم الإنترنت بألعابه وأفلامه المباحة وغير المباحة من أي عمل نافع ومفيد. وكم كانت شبكات الإنترنت سببا في تخلف بعض الشباب وانحرافاتهم، وحتى وراء تدهورهم الدراسي. من هنا علينا أن ندرك حقيقة لا يختلف عليها اثنان، وهي أن الخير المطلق ليس إلا في الله عز وجل، والشر المطلق يمثله الشيطان، وأما باقي الأشياء فهي دائما ذات وجهين، أحدهما إيجابي خير، والآخر سلبي شرير، وهذا يعود إلى العقل الذي يستخدم هذه الأشياء، فالسيارة التي تسعف مريضا يمكنها أن تدهس طفلا يعبر الشارع إلى مدرسته، والسلاح الذي ندافع فيه عن كرامتنا وحقنا وأرضنا هو نفسه الذي نعتدي به على الآخرين ويمكننا من استلاب حقوقهم. كذلك الإنترنت فإذا استخدمناه في العلم والمعرفة كان لنا عونا في تقدمنا وزيادة معارفنا وتحضرنا، وإذا استخدمناه لقتل الوقت والتسلية وملء الفراغ فسوف يؤدي حتما إلى تخلفنا وتدهورنا. فالمسألة تعود إلى العقل الذي يستخدم هذه التقنية، فالتقدم والتخلف هو عقلي فكري بالدرجة الأولى، أما التكنولوجيا فهي منتجات لهذا العقل علينا أن نحسن توظيفها. عبد الكريم المويل