في محافظة بريدة نسمع من وقت لآخر عن لص يسرق منزلا في شارع حيوي مزدحم في وضح النهار. وآخرون يقتحمون منازل عقب خروج سكانها للتسوق أو زيارة الأهل، من أجل لهف ما بداخلها من أشياء ثمينة، ومجرم آخر يوهم صاحب معرض بأنه يرغب في شراء سيارة قيمتها 70 ألف ريال ويود تجريبها ويولي بها هاربا، عصابة من ثمانية أشخاص تمتهن السرقات بمختلف أنواعها، وضبط ثلاثة لصوص تتراوح أعمارهم بين 15و 18 سنة سرقوا ست سيارات. هذه هي حال بريدة التي يزداد عدد سكانها والمراكز القريبة منها إلى أن وصل إلى 600 ألف نسمة، بدأت تتكاثر فيها جرائم السرقة التي أرجعها مختصون إلى ضعف الإمكانيات والبطالة. وفيما أكد ل «عكاظ» العميد متقاعد عبد الله البدراني مساعد مدير شرطة القصيم لشؤون العمليات سابقا، أن أسبابها ترجع إلى إقصاء المجتمع للمخطئ وطلب الصحيفة البيضاء للوظيفة، أوضح آخرون أنها تقع بسبب ضعف الوازع الديني، وتضاؤل دور عمد الأحياء، وزيادة عدد الوافدين. وردا على مقولة أن جريمة السرقة تتكاثر في المحافظة بسبب قلة الدوريات الأمنية والسرية، أكد العميد متقاعد البدراني «أن الكوادر تدار بالكيف لا بالكم»، مضيفا: إن «جميع حدودنا الإدارية مغطاة أمنيا بما يضمن تحقيق الأمن وفق عمل جميع الجهات الأمنية سواء الرسمية أو السرية أو من خلال المصادر السرية». وشدد على أنه لم تسجل حالات اقتحام منازل تحت تهديد السلاح، مشيرا إلى أن ما يثار بهذا الشأن عبر الانترنت، مجرد تأويلات لحالات لا ينطبق عليها السطو المسلح. تعرض محل كمبيوتر تابع للمواطن مزعل الحربي، ويقع في شارع حيوي مزدحم، لسرقات متعددة، السرقة الأولى كانت قبل فترة، أما الأخيرة فكانت قبل شهرين، وقال: «تعرض معرضي ضمن مجموعة معارض قريبة لعدد من السرقات المنظمة، وكلها تعمل في نشاط (الكمبيوتر)، وطريقة السرقة متشابهة يستخدم فيها اللصوص آلات لقص الحديد، ويحملون أجهزة الكمبيوتر بدون صناديقها»، مشيرا إلى أن مسؤول الأدلة الجنائية أخبره أنه تعرف على الحمض النووي DNA للسارق، دون وجود برنامج توثيقي للحمض النووي على مستوى المواطن والمقيم، ما يعني أنه لا يمكن الاستدلال على السارقين مباشرة، وقال «لم أتمكن من استرداد رأس مالي الذي سرق من محلي، رغم مراجعتي الدائمة لمركز الشرطة، ورغم أنه ألقي القبض على السارق بالجرم المشهود من قبل رجال الأمن، في محل مماثل، عندما كان ينقل الأجهزة إلى سيارته، وبعد أسبوعين من سرقة محلي توجهت إلى مركز الشرطة، لاعتقادي بأن المقبوض عليه هو من سرق أجهزتي، ولكن صدمت عند ما أبلغني الضابط بأن الجاني أخرج في صباح اليوم التالي بكفالة وفقا لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام. وأضاف: يلاحظ أن تواجد الدوريات الأمنية ليس بالقدر الكافي لمنع جرائم السرقات، حيث إنه على امتداد مسافة عشرة كيلومترات توجد دورية واحدة، تغطي طريق عمر بن الخطاب أحد الشوارع الحيوية المكتظة بالمحلات التجارية، وأجزم أنها تحتاج إلى ما يقارب نصف ساعة لإكمال جولتها في هذا الطريق». 5 منازل وفي حي العزيزية في بريدة أحد الأحياء الحديثة عمرانيا، تعرضت خمسة منازل لسرقة منظمة في توقيت واحد في إحدى الليالي، وذكر اثنان ممن تعرضوا للسرقة، فضلا عدم الكشف عن هويتهما، أنهما كانا في مناسبة، وعند عودتهما وجدا أن الأبواب الخارجية لمنزليهما تعرضت والغرف الداخلية لكسر عنيف، وسرقت مصوغات ذهبية وأجهزة كمبيوتر محمولة، ليكتشفا أن منازل عدد من جيرانهم تعرضت للسرقة في نفس التوقيت، وأشارا إلى أن العصابة كانت على ما يبدو تتابع خروجهم من منازلهم، بدليل أن جميع المنازل المسروقة لم يكن أهلها متواجدين. وشهد حي الربوة قصة سرقة مثيرة، عندما اقتحم اثنان في العقد الثالث من العمر منزلا من أجل سرقته، بعد مغادرة رب الأسرة وزوجته، مع بقاء الصغار والعاملة المنزلية، أحد اللصين كان يحمل سلاحا، هدد به العاملة، طالبا منها أن تدله على غرفة ربة المنزل، فيما بقي الآخر يراقب الصغار، واستطاع الأول حمل ماخف وزنه وغلا ثمنه. من جانبه يحكي عبد الله عبد العزيز العليان، شاب متزوج يسكن في حي البساتين في بريدة، حكاية تعرضه لسرقة، فقال «خرجت من منزلي لزيارة والدتي ووالدي برفقة زوجتي، وعند ما عدت وجدت أبواب منزلي مفتوحة، اتصلت بالدوريات الأمنية، إلا أن أفرادها وجدوا صعوبة في الوصول، مما أضطرني لإرسال شخص لإحضارهم، وبعد تفقدهم ما حدث طلبوا الأدلة الجنائية دون أن تعثر على أية بصمات في المنزل، بعد سرقة اللصوص جهاز محمول ومصوغات زوجتي، وشهد نفس اليوم سرقة ثلاثة منازل في ذات الحي، ومنزل في حي مقابل، وعندما سألني أفراد الدوريات الأمنية إذا ما كنت أشتبه في أي شخص، أبلغتهم باشتباهي في ثلاثة أشخاص لاحظت ترددهم، وعند مراجعاتي المتكررة للشرطة اكتشفت أنه لم يبحث في الأمر، فطلبت الأدلة الجنائية أن يرافقني فرد منهم، وأوصلته لمواقع الذين أشتبه فيهم، ولازلت أنتظر، مع العلم أنني راجعت محلات حاسب آلي زودتها بالرقم التسلسلي لجهازي، وبعد شهر اتصل بي فرد من البحث الجنائي أفادني بأنهم قبضوا على مقيم عربي بحوزته كمية من الذهب، وطلبوا حضوري مع زوجتي للمعاينة، ولم أجد ما يخصني، ولازلت أنتظر. سرقة السيارات قصص تطول في المنازل، أما في الشوارع فقد أصبحت سرقة السيارات ظاهرة في بريدة، وتركزت في تشليح أجزاء مهمة من المركبات بعد سرقتها، وتركها هياكل في الصحراء أو الأماكن المعزولة، كما حدث مع المواطن سليمان الصالح، عند ما أوقف سيارته أمام مركز للتموينات، وعندما خرج لم يجدها، وبعد أيام تلقى اتصالا من شخص ما، أبلغه أنه عثر على سيارته في موقع صحراوي بدون إطارات وشمعات أمامية وخلفية. مواطن آخر سرقت سيارته وكان بها جهاز لفتح الباب الخارجي ونسخة للأبواب الداخلية لمنزله، وهكذا تمكن اللصوص من سرقة منزله بيسر وسهولة. سرقة إطارات أما خالد فتعرض لما يتعرض له كثير من الشباب في الفترة الأخيرة، خرج من منزله وقبل أن يفتح أبواب سيارته شاهدها بدون إطارات، وكانت موضوعة على حجارة، وتتكرر مثل هذه الحادثة في السيارات الشبابية التي يستخدمونها للتفحيط. وحكى بدر صاحب معرض سيارات بأن لصا جاء إليه ليتفقد سيارة، وعند ما أدار محركها هرب بها، وبعد أشهر طويلة أبلغته الشرطة أنه قبض عليه، بعد أن فكك تلك السيارة وباع أجزاءها، وقال «سئمت المراجعات العديدة من أجل إعادة حقي، رغم أن خصمي أودع السجن فترة، ولازلت أنتظر، حيث إنني دفعت سبعين ألف ريال لصاحب السيارة التي سرقت من معرضي. الاستراحات والمزارع وتكثر السرقات في الاستراحات والمزارع، لسهولة الوصول إليها وبعدها عن الأماكن المأهولة بالسكان، وقال فهد الصالح «إن استراحة الشباب التي أجتمع فيها مع زملائي في حي الضاحي تتعرض لسرقة في الحد الأدنى كل عام، وفي كل مساء أحضر أسأل: هل جهاز التلفاز واللاقط لايزالان موجودين». ناقوس الخطر من جانبه أرجع مختص أمني فضل عدم ذكر اسمه، أسباب السرقات في بريده إلى قلة الدوريات الأمنية والسرية، ضعف الوازع الديني، ضعف العلاقات الاجتماعية ولاسيما في تبادل الحماية على الأملاك خصوصا عند السفر والخروج، عدم قيام عمد الأحياء بالدور المطلوب منهم في ظل ضعف إمكانياتهم، ارتفاع نسبة الأجانب في المجتمع وخصوصا المخالفين ومن هم بلا عمل والبطالة. ناقوس الخطر ووصف المحامي صالح علي الدبيبي، السرقة في بريدة، ب«الظاهرة التي تتطلب الاهتمام والالتفات، مشيرا إلى أنها ظاهرة تدق ناقوس الخطر والحذر الأمني، مبينا أن أهم عناصر العلاج تكمن في الكشف على النسب الحقيقية للسرقة والتعامل معها بشفافية مع تحذير أوليا الأمور. وأضاف: يمكن المساهمة في مواجهة هذا النوع من الجرائم بمكافحة الفقر، علاج البطالة، استثمار أوقات فراغ الشباب فيما يعود عليهم بالفائدة. وأكد أن أهم علاج لذلك يكمن في الجانب الجنائي، وقال «واجب القضاة الحد من السرقة، إعادة النظر في مفهوم الحرز، مثلا المكان المسور والمغلق والمزرعة المشبكة لماذا لا تعتبر حرزا ؟!». وأشار لو تغير هذا المفهوم لدى القضاة لقل عدد السرقات، وأصبحت هذه العصابات تتجنب تنفيذ أية سرقة، لافتا إلى أن هناك تقصيرا في القبض على هؤلاء اللصوص. إقصاء المخطئين وأكد ل «عكاظ» العميد متقاعد عبد الله البدراني مساعد مدير شرطة القصيم لشؤون العمليات سابقا، وجود أسباب متعددة لتكرار وانتشار السرقات في المجتمع، منها «أن المجتمعات تقصي المخطئ من أبنائها عندما تسجل عليه أية سابقة صغيرة أو كبيرة، كما أن أحد الشروط القاسية لنظام العمل هو خلو المتقدم للوظيفة من السوابق، وجود وظائف برواتب متدنية تطلب صحيفة بيضاء من الجنح، وغير ذلك من الأسباب التي تؤدي لزيادة البطالة التي شجعت من نبذناهم اجتماعيا ووظيفيا على الارتماء في أحضان الجريمة ومسوقيها، فمثلا عندما يخطئ شاب ويرتكب جنحة، نجد أن أقرب الناس له ينبذه، ولا يجد من يعينه ويعيده إلى الاندماج في المجتمع، فيضطر للبحث عن دخل مالي، قد تكون السرقة أسهل الطرق للحصول عليه، حتى الشاب الذي يريد اقتناء جهاز جوال قد ينجرف للسرقة من أجل ذلك، في ظل وجود مغريات تسهل للسارقين أعمالهم، وهي عدم الاحتراز وإبراز الأموال، وهو ما شكل نسبة عالية من حوادث السرقة». وأكد البدراني أن التوجيه الملكي الكريم باحتواء ودعم الباحثين عن عمل سيؤدي لتخفيض كبير في معدلات السرقة، كون البطالة تمثل سببا رئيسيا للجرائم على مستوى العالم. وقال ل «عكاظ» الناطق الإعلامي في شرطة القصيم «إن السرقات في بريدة لم تصل إلى مستوى الظاهرة، ويؤكد ذلك أن مؤشر جريمة السرقة في الأعوام الثلاثة الماضية متقاربة، مما يدل على أنها طبيعية وتقل نسبتها عن نسبة ارتفاع عدد السكان المعلن عنه لعام 1432ه في بريدة، وهذا مؤشر إيجابي».. وأكد أن هناك رصدا دقيقا للسرقات، يجري وفق إحصائيات دقيقة من خلال تفصيل الجريمة، أسلوبها، نوعها ومكانها بهدف تحليلها ودراستها لرسم الطرق الصحيحة لمكافحتها. وأضاف أن نسبة القبض على الجناة في جرائم السرقة ارتفع فقط في عام 1432ه 80 في المائة، وذلك يدل على نجاح خطط مكافحة الجريمة وبالذات جريمة السرقة. وشدد على أنه لم تسجل حالات اقتحام منازل تحت تهديد السلاح، مشيرا إلى أن ما يثار بهذا الشأن عبر الانترنت، مجرد تأويلات لحالات لا ينطبق عليها السطو المسلح.