تتعرض المزارع القديمة «الفلايح» في عنيزة لخطر الإنقراض، بسبب إهمال المزارعين لها، دون أدنى اهتمام منهم بالعمل على تطويرها، متجاهلين أن عنيزة ارتبطت بالزراعة منذ نشأتها، فيما حولها بعضهم إلى مخططات عقارية، دون أن يستفيدوا من الدعم الكبير الذي تخصصه الدولة للقطاع الزراعي، ومنه شراء 400 طن من إنتاج مزارع عنيزة سنويا لصالح مصنع التمور في الأحساء، ودون أن يضعوا في اعتبارهم أهمية وجود مديرية الزراعة، البنك الزراعي، الجمعية التعاونية الزراعية ومركز الأبحاث الزراعية في منطقة القصيم في محافظتهم. وفيما كشف رئيس لجنة الفلايح يوسف بن علي الزنيدي، عن بدء تأهيل 18 مزرعة من المزارع القديمة، طالب بعض الأهالي بإنقاذ ما تبقى من هذه المزارع بتحويلها إلى منتجعات ريفية ومواقع سياحية وأثرية، ليطلع أبناؤنا جيلا بعد جيل على هذه المزارع كتراث قديم، ويتعرفوا على ما حققه أجدادهم من إنجازات زراعية كبيرة. المزارع العم صالح السالم 70عاما، زاول الزراعة مع أبيه رحمه الله منذ صغره، وأحبها وشغف بها، لكنه لاحظ هجرة بعض المزارعين للزراعة، خصوصا من كانت لهم مزارع قديمة أو ما يسمونها (الفلايح) نسبة للفلاح. وأرجع العم صالح بعض أسباب هجرة الفلايح، إلى أن أصحابها كانوا شركاء، وعندما يتوفون تكون هناك منازعات أو خصومات فيما بينهم، وينتهي الأمر أخيراً ببيعها لآخرين لا يهتمون بفلاحتها ويتركونها بورا، ما يؤدي لانهيارها، حيث يصر المشتري في بعض الأحيان على تركها حتى تهلك، ليحولها إلى مخطط عقاري، أو تبقى أطلالا متهالكة. أما العم ناصر الصويلج 80 عاما، فقد أرجع أسباب انقراض الفلايح القديمة، لأسباب كثيرة، منها ارتباط بعضها بالأوقاف المعروفة في نجد باسم (الصبرة) التي تثقل كاهل الفلاحين والبسطاء ممن هم يقتاتون أصلا من العمل في الزراعة، مضيفا أن الفلايح القديمة تعتمد في سقيا الزراعة على أدوات بسيطة مثل (المكينة) لضخ المياه للمزروعات، حيث كانت تصب المياه في حوض يسمونه محليا (للزا) ومنه تنتقل من خلال مجرى صغير يسمى (الساقي) ليصل الماء إلى الأحواض الزراعية، وهي عملية متعبة جدا، ومع التحول إلى الزراعة الحديثة بدأ الفلاحون القدماء يهجرون فلاحة الأرض، وأصبحوا غير قادرين على الاستمرار، وتوفير الإمكانيات المطلوبة لآليات الزراعة الحديثة، فيما تغيرت نظرة الشباب عن الزراعة القديمة، وبدأوا في إنشاء مزارع تخصهم بالطرق الحديثة، فيما اتجه البعض الآخر، لوضع استراحات زراعية، مستخدمين طرقا حديثة في الري، وهكذا كانت الهجرة عن الفلايح القديمة وبدأت مزروعاتها تموت وتتهالك وتنهار. ويتساءل المواطن بدر الحمود: لماذا لا يستفاد من المزارع القديمة؟ لتكون مواقع سياحية وأثرية، من خلال تشكيلها حسب الشكل الزراعي القديم، وتشيد مساكن فيها على الطراز الطيني القديم، وتؤجر لمن يرغب في قضاء بضعة أيام، يجتر خلالها ذكريات وحنين الماضي، مستشهدا بما حدث من تغيير جميل لمزرعة (الخياط) الشاعر المعروف، والتي آلت إلى أسرة الزنيدي، وأصبحت عملا خارقا ورمزا للفلايح القديمة بلمسات تراثية جميلة، ونبه الحمود إلى أن هناك مزارع قديمة ومنسية تحتاج إلى إعادة نظر من ملاكها للاستفادة منها بشكل جيد، بدلا من بقائها مهدرة، مطالبا باستغلال بعض تلك المواقع لإطلاق مشاريع زراعية أو تجارية ناجحة فيها، خصوصا أن لبعض تلك المزارع مواقع استراتيجية على طرق رئيسة، ما يؤكد أهمية نجاح أي مشروع استثماري فيها. الحفاظ على الموروث الزراعي من جانبه أوضح ل«عكاظ» رئيس لجنة الفلايح في المحافظة يوسف بن علي الزنيدي، أن أبرز أهداف اللجنة الحفاظ على الموروث الزراعي في الفلايح القديمة، وقال «شكلت اللجنة متنزها ريفيا اعترفت به الهيئة العامة للسياحة والآثار، فيما تسعى اللجنة لإعادة مثل هذه المزارع القديمة بنفس تصميمها السابق الذي كانت عليه في زمن الزراعة القديمة، واستخدام طرق الري القديمة». وبين أن لدى اللجنة حاليا ما يتراوح بين 17 و18 مزرعة رصدت بعد إجراء مسح على المنطقة الواقعة بين جامع الشيخ ابن عثيمين ومزرعة الخياط والبرغوش (حي قديم مقابل جامع ابن عثيمين) والمليحة كمرحلة أولى، موضحا أن الفلايح التي تحتويها اللجنة هي نواة لمراحل مقبلة، وقال: نجحت اللجنة في إقناع الهيئة العامة للسياحة والآثار بدعم هذا التوجه، وساهمت الهيئة بالفعل في دعم اللجنة بملغ 200 ألف ريال، ووعدت بتقديم المزيد من الدعم للجنة، في ظل تفاعل جيد من أصحاب الفلايح (المزارع) خصوصا بعد أن التقى بهم محافظ عنيزة وحثهم على العمل لتحويل هذه المزارع القديمة لمشاريع سياحية، بدلا أن تظل مهجورة. وحول مشكلة الإهمال الذي طرأ على فلايح عنيزة القديمة قال: حدث في بعض الفلايح (المزارع) اختلاف بين المالك الأصلي، والمزارع الذي استأجر الأرض ويسمى محليا (مقضب) لعدة سنوات بعد انتهاء العقد، وتدخلت لجنة الفلايح وحلت هذا الإشكال الذي يضع المزرعة تحت وطأة الإهمال، ويجعل بعض المزارع خارج حدود خدمات اللجنة التي أطلقت مرحلتها الأولى لمعالجة وضع هذه المزارع القديمة التي زار وفد من الهيئة العليا للسياحة والآثار عددا منها، وأبدى إعجابه بالطرق المستخدمة في تأهيل المزارع القديمة في المحافظة. وقدم الزنيدي شكره لبلدية عنيزة، مصلحة المياه، الاتصالات السعودية ومديرية الزراعة على تفاعلها مع هذه المشاريع الريفية. من جهته أوضح مصدر في مديرية الزراعة في عنيزة، أن الزراعة ناجحة في محافظة تضم مليون نخلة، بسبب وفرة المياه، خصوبة الأرض، صلاحية المناخ والدعم المقدم للزراعة من الدولة. وعزا المصدر إهمال بعض المزارع القديمة في المحافظة، لأسباب متعددة منها وفاة الملاك وترك المزرعة في أيدي ورثة لا يهتمون بها في ظل انشغالهم بأمور أخرى، أو تكون المزرعة لشركاء بعد موتهم يعرضها أبناؤهم للنسيان، فلم يعد الجيل الحاضر مهتما بالمزارع القديمة بعد التطور الزراعي الذي شهدته المملكة، لافتا إلى أن مديرية الزراعة تعمل من خلال قسم الإرشاد الزراعي على توعية المزارعين للاستفادة من الإمكانات المتاحة في هذا المجال، مبينا أن الجميع لمسوا التوجه لإعادة تأهيل بعض المزارع القديمة للاستفادة منها كمنتجعات ريفية.