رأيت أن الكلام في الماضي لا فائدة منه قلت في نفسي لا زال هناك شيء آخر لعلنا نحاول أن نتشبث به كآخر جيل يربطنا بتاريخ عنيزة القديم، ألا وهي مزارع عنيزة وحيطانها وفلايحها الداخلية القديمة بنخيلها الباسقات المتراصات القائمات والمائلات أو المعوجات وجوادها وطرقها الملتويات وحدودها المتعرجات وحيالاتها الخضراء النظرات والتي تغني عن عشرات الكتب التي تحاول أن تصف هذه المزارع وحياة وطريقة زراعة الأقدمين، هذا علاوة على أن وجود هذه البساتين وسط البلد يعتبر ثروة بيئية وجمالية لا تقدر بثمن. عندها كتبت مقالاً سابقاً بخصوص ذلك لاقى استحساناً من محافظ عنيزة السابق المهندس مساعد السليم والذي تحمس مشكوراً لذلك حتى سعى لتكوين بفريق خاص، للمحافظة على هذه الفلايح وتطويرها، سمي بفريق فلايح عنيزة والذي طلب مني أن أكون عضواً فيه. في مقالي هذا سأورد لكم ما حصل، أولاً لكي أخلي نفسي كمواطن يغار على تاريخ وجمال وطنه من مصيبة وقعت بحق أجمل الطرق الريفية القديمة، وأجمل المزارع القديمة في عنيزة وهي مزرعة العمران بشارع الصالحيات بحي الجناح، وثانياً لعل هذا الكلام يفيد في منع وتفادي حدوث شيء مثله في المستقبل، وإن كان مع الأسف يندر وجود مثل هذه المناظر. قبل بضعة أشهر وفي وقت المحافظ السابق المهندس مساعد السليم ورئيس بلدية عنيزة السابق المهندس إبراهيم الخليل، جاءني زميل لي وقال لي إن هناك علامات في المزرعة المذكورة، تدل على أن البلدية تريد تعديل الشارع أو الطريق المار بها. ولا شك أنني فوجئت وقلقت جداً بخصوص ذلك، فكلمت حينها المهندس مساعد السليم المحافظ السابق، الذي من غير عادته مع الأسف لم يعر الموضوع الاهتمام المطلوب وقال لا علم لي بذلك، لكن يمكنك التأكد من ذلك من رئيس البلدية، فكلمت حينها المهندس إبراهيم الخليل رئيس بلدية عنيزة سابقاً، وسألته بقلق شديد عما سمعته عن الشارع والخوف من نية البلدية تعديله أو توسعته، لأنه طريق ريفي وتاريخي جميل لا يمكن التفريط فيه، لكنه أنكر أي علم له بخصوص ذلك، وذكر بأنه لم يمر عليه أي شيء بخصوص هذا الطريق، وكررت ذلك عليه مراراً لكنه أجاب بالنفي. في مصر شقيقتنا العربية وقفنا مرة نصلي في مسجد في أحد الطرق، فلاحظنا شيئاً غريباً لاحظنا شجرة واحدة كبيرة شق جذعها سقف المسجد، فاستغربنا من ذلك فذكر أحد الموجودين بأنّ الشجرة قديمة وموجودة قبل المسجد، فلم يريدوا أن يعدموها فأبقوها وبنوا المسجد عليها، تصوروا هذا يحدث في أرض النيل ونحن في عنيزة نعدم عشرات النخيل التاريخية الجميلة لأسباب تافهة. قد يرد عليّ المهندس إبراهيم الخليل بأنّ ذلك قد تم بعد انتهاء عمله في عنيزة، لكنني أقول إن الأمر لا شك قد خطط له في وقته بدليل وجود العلامات منذ ذلك الوقت، لكنه نفذ بعد انتهاء عمله في عنيزة بفترة قليلة، على كل حال إن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم. إن ما أستغربه في هذا الموضوع أن عملية التوسعة تمت بدون أي مقدمات أو إعلانات أو لوحات تشير إلى اسم المشروع، خلافاً عادة للنظام المعمول به بخصوص أي عمل تنفذه البلديات، مما يدل على أن الأمر دبر في ليل وفي غاية السرية والعجلة.. عجبي الشديد والله. إنني أحمل مسؤولية هذه الكارثة على عدة جهات هي: 1 - محافظة عنيزة ومن ضمنها لجنة السياحة الريفية وفريق فلايح عنيزة. 2 - بلدية عنيزة. 3 - أعضاء المجلس البلدي في عنيزة فإن كانوا يعلمون أو لا يعلمون فتلك مصيبة، وإن كانوا مؤيدين وموافقين فالمصيبة أعظم. 4 - فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار بالقصيم. وإنني بهذه المناسبة كمحاولة لمنع أن يقع مثل ما وقع، أقترح ألاّ تتم توسعة أي طريق داخل الأحياء القديمة في أي مدينة أو قرية من مدن وقرى المملكة، إلا بموافقة من الهيئة العامة للسياحة والآثار. وقبل الختام لا بد أن أشكر الأخ خالد البدراني الذي أشار إلى هذا الموضوع وهذه المشكلة في خبره الصادر في عدد الجزيرة 14145 وتاريخ 19-7-1432ه بعنوان (بلدية عنيزة تنزع ملكيات مزارع لتمديد شبكة المياه)، علماً بأنه لا يوجد نزع ملكيات مقابل ذلك، كما وضح ذلك مشكوراً الأخ الأستاذ محمد العبيد في تعليقه على هذا الخبر، كما لا ننسى أن نشكر أيضاً الدكتور أحمد العبودي الشكر الجزيل على ما كتبه العام الماضي في أحد أعداد الجزيرة عن نخيل الجناح، والتي تدل على خوفه وغيرته الشديدة على جناح وريف عنيزة. وختاماً كلمة قصيرة أوجهها لنا يا أهل عنيزة فلو أننا - مع الأسف الشديد - كلنا ركزنا جهدنا لحماية إرث عنيزة ومبانيها وفلايحها القديمة، لكان أجدى من التشدق والتفاخر بكثرة متعلمينا ودكاترتنا ومهندسينا! هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. إبراهيم السلمان - عنيزة