تحقق له حلم بناء بيت الزوجية، بنى بالعروس وطافا معا في أسفار أيام قلائل شاكرين لله نعماءه، عادا من السفر وفي أول أسبوع في عش الأسرة الجديد لاحت معضلة مالية نغص همها لطائف العرس البهيج، توالت اتصالات شركات التقسيط ومهاتفاتهم مطالبين بأقساطهم. ما تراه يفعل، مجموع الأقساط خمسة آلاف وراتبه الوظيفي ستة آلاف وليس ثمة من يقرضه، فلا مناص من اللجوء إلى بيع التورق. يريد بذلك جدولة الديون ومضى به التعثر في السداد وإذا به كل مرة يلجأ لبيع التورق، يا لها من مصيبة فقد تضخم دينه وتيقن بعجزه عن السداد، كان الدين قريبا من المائة ألف فإذا به بعد تكرار التورق يزداد ولا يزال يتضخم حتى بلغ أضعاف ما كان عليه أول أيام زواجه. هكذا أحبتي القراء كان بيع التورق أصل معاناة أليم ضررها على كل من لجأ إليه كمخرج من الديون، وقد يقول قائل: ما هو بيع التورق ؟، فنقول: إن صورته أن تشتري سلعة بالتقسيط من شخص أو مصرف أو شركة ثم تبيعها نقدا لغير من اشتريتها منه والمقصد تحصيل السيولة. إن كل طالب علم يعلم أن العلماء المحققين قد اختلفوا في جواز هذا النوع من البيع فالخلاف فيه مشهور حتى قال ابن القيم حينما تحدث عن حكم بيع التورق «وقد كرهه عمر بن عبد العزيز وقال هو أخو الربا، وعن أحمد فيه روايتان وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر وهذا من فقهه رضى الله عنه قال فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر، وكان شيخنا (يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية) رحمه الله يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مرارا وأنا حاضر فلم يرخص فيها، وقال المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه». (اعلام الموقعين).. أحبتي القراء إن الذي أميل إليه أن بيع التورق جائز وهذه فتوى الشيخ ابن باز وابن عثيمين وكثير من علماء الديار السعودية وعلماء الشام ومصر واليمن والمغرب لكن نحن نتخوف على الناس من كثرة تعاطيهم التورق فكم جر من ويلات مالية وبه أمسى المليئ معدما، وكم انزلق أناس في وحله بدؤوا بعقد وعالجوا عجزهم عن السداد بعقد تلو عقد حتى أوردتهم كثرة اكتواءاهم بفتنته إلى الإيقاف والسجن. هذا مع جشع المانحين لفرصة التورق خاصة بائعي السيارات بالأجل فقليل منهم من يترفق بالناس في ما يضعونه من أسعار التقسيط وأحسنهم بيعا من يأخذ خمسة عشر بالمائة سنويا. وإنني آمل من وزارة التجارة أن تضع نسبة ربح لا يجوز للتجار تجاوزها حفظا لعموم الناس من هذه الفتنة التي محقت بركة رواتب الموظفين وتجارات التجار. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينةالمنورة [email protected]