تبدو صورة التشدد الديني ضبابية الملامح في مجتمعنا. تارة تتبدى لك الصورة مشرقة وجميلة، وحينا تراها قاتمة إلى حد ما. لكن ما أراه في الحالتين هو أن التشدد الديني يزداد بصفة عامة، خاصة على مستوى المتطوعين من تلقاء أنفسهم، أكثر من أولئك المنخرطين في جسد الهيئة الدينية الرسمية ممثلة في الأمر بالمعروف أو غيرها من المؤسسات الحكومية. في معرض الرياض للكتاب كان للمتطوعين صوت أقوى حتى من الهيئة نفسها. لم يسألهم أحد الرأي فيما هو معروض وغير معروض. لكنهم أعطوا أنفسهم وكالة التحدث عن الجميع. هم يريدون العالم أن يسير كما يريدون، ويفكر كما يفكرون، ويفعل ما يفعلون. المتطوعون يزدادون في المجتمع رغم كل دعوات الانفتاح والتسامح. وهي ظاهرة لم تحظ حتى الآن بما يليق بها من دراسة وتحليل. نحن كلنا مسلمون وملتزمون بتعاليم ديننا. فماذا يمكن أن نفعل أكثر من الالتزام بهذه التعاليم؟ هذا سؤال يجب أن تترسخ إجابته كمفهوم عام للمجتمع حتى نعرف ما إذا كانت تلك العبادات التي نقوم بها كافية أو غير كافية. لقد عملت الدولة على التخفيف من غلواء وتطرف المتشددين ضمن المؤسسة الدينية الرسمية. لكن يبدو أن المشكل الحقيقي لم يكن في المؤسسات الرسمية أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إن المشكل الحقيقي يأتي من المتطوعين تلقاء أنفسهم. وهؤلاء لا يخضعون لأي قانون أو محاسبة. حتى فترة مضت، كان تشددهم يقف عند حدود إبداء الرأي ولو كان متشددا. لكن ما حدث في معرض الرياض للكتاب أعطى مؤشرا بأن هؤلاء يميلون إلى العنف بشكل متزايد، سواء أكان العنف كلاميا أم جسديا. ماذا سيحدث إن تركناهم يزدادون في تطرفهم وعنفهم دون أن نبحث في الظاهرة أو نحللها وندرس أسبابها وطرق التعامل السليم والآمن معها ؟ القرار السياسي قادر على كبح جماح تطرف المؤسسات الرسمية، لكنه لا يستطيع أن يصدر قانونا يحول دون أن يتشدد الأفراد في معتقداتهم. ولا يمكن للقوة أن تعالج الظاهرة أيضا.. في قناعتي أن التشدد ليس سوى انعكاس رفض لواقع ما. كأن يكون انعكاس رفض للفقر، أو البطالة، أو الحرمان. هؤلاء المتشددون هم أناس أسوياء نشؤوا في ظروف لم تكن سوية على الأغلب. ولعل العامل الاقتصادي والحرمان تحديدا هو الأقوى تأثيرا في شخصياتهم ودفعها إلى مثل هذا التشدد الرافض لكل شيء جميل. هي ظاهرة يجب أن ندرسها، ونبحث فيها، ونحللها لنضمن أن يعيش المجتمع في حالة صلح مع ذاته، فقد تعبنا جميعا من الحرمان وانهكتنا الخصومات القديمة. [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 258 مسافة ثم الرسالة