أحلام النوم معظمها إن لم تكن كلها ما هي إلا انعكاسات لحياة اليقظة .. وقبل أن أدخل إلى الموضوع أود أن أقول: إن كثيرا من أحلام نومي تتعبني لأنها تعكس أمنياتي ورغباتي الحياتية خاصة فيما يتعلق بظروف معيشتي .. ورغم أني قبل إحالتي إلى التقاعد كنت أزاول عملا وظيفيا حكوميا يكفيني دخله الشهري لتغطية معظم متطلبات معيشتي أنا ومن أعول حسب جدولتي لأولويات هذه المتطلبات من منطلق الحكمة القائلة: «مد رجلك على قد فراشك» وبموجب هذه الحكمة كانت حياتي مستورة والحمد لله .. وبحكم العادة والتعود استطعت أن أبرمج حياتي الجديدة بعد إحالتي على المعاش .. ولعل من أبرز التحولات التي طرأت على حياتي أنني ذهبت إلى إدارة الأحوال المدنية لأغير مسمى مهنتي في حفيظة نفوسي و«نفوسي» هذه تعطيني شيئا من الأمل بأن لي أكثر من نفس.. وهذه ذكرتني بالمقولة السائدة التي نطلقها على بعض الأفراد الذين ينقذهم القدر من مواقف كثيرة يوحي أحدها أو بعضها أنه قد فارقت روحه بدنه ولكنه مع ذلك يكتب الله له البقاء فيقول الآخرون: إن فلانا مثل «البس» أي القط له سبعة أرواح .. هذا إذا سلمنا بأن «النفس» و«الروح» شيء واحد. أعود إلى الموضوع فأقول: إن إدارة الأحوال المدنية غيرت مسمى مهنتي من «موظف» إلى «متسبب» وكلمة متسبب هذه تحمل أكثر من معنى، فالإنسان قد يتسبب في الخير وقد يتسبب في غيره. ورغم هذه المتغيرات التي طرأت على حياتي إلا أن شبح الوظيفة ظل يطاردني وينسج في تخيلاتي كثيرا من أحلام النوم واليقظة.. ومن ذلك مثلا أني بعد عشاء ثقيل في إحدى الليالي كنت أغط في نوم عميق وإذا بي أرى نفسي قد أعدت إلى وظيفتي ولكنها لم تكن وظيفة طبق الأصل لوظيفتي السابقة إذ بحثت عن الكرسي الذي كنت أتأرجح عليه فلم أجده ولم أجد مكتبي الذي زرعت في تجهيزاته مجموعة من الأقلام المتعددة الألوان و«الماركات» والأختام الموشومة بمسمى إدارتي ومصلحتي التابع لها ولم أجد الجرس الذي أضغط على «زره» فيأتي المستخدم المكلف بتلبية طلباتي راكضا ليقول لي: «شبيك لبيك خادمك بين يديك». كان حلمي متواضعا جدا إذ وجدت وظيفتي الجديدة ليست وظيفة رسمية ولكنها من الوظائف التي لا أعرف من ابتكرها والتي تسمى «وظائف البند» وأفظع من ذلك مرتبها الذي لا يسمن ولا يغني من جوع وأنها ليست ذات مميزات كتلك التي كنت أتباهى بها في وظيفتي السابقة لا أثناء الخدمة ولا بعد تركي الخدمة .. وحاولت أثناء نومي أن أطبق قاعدتي السابقة بأن «أمد رجلي على قد فراشي» فلم أستطع لأني أساسا لم أجد ذلك الفراش الوثير الذي كان يبث الدفء في أعماقي والطمأنينة في مستقبل يومي .. وجزى الله أم أولادي خيرا عندما أيقظتني من ذلك الكابوس وناولتني قائمة بطلبات العيال ولكنها هذه المرة كانت على غير عادتها .. كانت ترقص فرحا وتذرع الغرفة يمينا وشمالا .. اضطربت أنا أيضا وظننت أن بها مسا في قواها العقلية وقلت لها: ما بالك يا بنت الناس؟ إيش صار في عقلك؟ قالت: قم .. قم اسمع الأخبار أنا صرت موظفة رسمية .. أبو متعب حفظه الله قلت لها: أكملي.. ما باله أبو متعب أطال الله في عمره ؟ قالت: لا وظائف على البند بعد اليوم .. فركت عيني بقوة ووجدت نفسي تلقائيا أرقص وأصغي إلى التفاصيل . للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة