قبل فترة، تناول الزميل خلف الحربي في عموده الساخر الساحر (على شارعين) إحدى أهم القضايا المسكوت عنها في وسطنا الرياضي، وأعني بها ظاهرة (الرش) التي يقوم بها بعض مسؤولي الأندية السعودية على الإعلاميين، ولست بحاجة لتوضيح مصطلح (الرش)، فهو معروف للجميع، سواء للذين تمرغوا بوحله، أو أولئك الذين سمعوا عنه وتمنوه دون أن يصلهم حتى رذاذه، وحتما هو معروف للذين رفضوا أن يدنس الرش ثيابهم النقية، أما الجمهور الرياضي، فقد سمعوا كثيرا عن (الرش) الذي يأتي تارة على شكل (النقوط)، وطورا على شكل سيارات فخمة مصبوغة بلون النادي، وتارة أخرى على شكل فيلات مؤثثة تسليم مفتاح، وأحيانا على شكل رحلة مدفوعة التكاليف إلى أحد المنتجعات السياحية، ومرات يكون الرش بالساعات والأقلام الفاخرة، وكل هذا يتوقف على قدرة (الرشاش) وموقع وأهمية (المرشوش). هذه القضية القديمة في وسطنا الرياضي هي التي جعلت بعض الإعلاميين يحولون ولاءاتهم للمسؤولين، بدلا من الولاء لأنديتهم، وهكذا لم تعد مشكلة إعلامنا الرياضي فقط الولاء للأندية، فقد أضيفت لها مشكلة أخرى هي الولاء للرؤساء، ولذا أصبحنا نلاحظ تغير خريطة أسماء الإعلاميين المقربين من بعض الأندية كلما تغير الرئيس، حيث تتوارى أسماء وتبرز أسماء أخرى، وتبدأ عملية تبادل أدوار، فالموالون في السابق الذين خرجوا من الواجهة بخروج الرئيس يتحولون للمعارضة، ويبدؤون التصويب على إدارة النادي الجديدة، فيما المعارضون السابقون ينتقلون إلى مقاعد الموالاة، وينخرطون في مهمتهم الجديدة، وهي الدفاع عن الرئيس الجديد وإدارته والرد على الانتقادات الموجهة ضد الإدارة، خصوصا تلك الصادرة من المحسوبين على الرئيس السابق. وحتى نكون منصفين، فظاهرة الرش ليست من بدع وسطنا الرياضي، وهي معروفة على مستوى الإعلام العربي، خصوصا في حقبة السبعينيات والثمانينيات، حيث كان إعلام المهجر مقسما في ولاءاته على الدول العربية، وهنا تحضرني قصة حقيقية طريفة، فقد أزعج كاتب مشهور إحدى الدول في انتقاداته اللاذعة، فقررت هذه الدولة أن تشتري قلمه كما فعلت مع آخرين، فأوعزت لسفيرها بأن يدعوه لزيارة هذه الدولة، وبعد أن لبى الدعوة، وقبل أن يغادرها، ناولته حقيبة ممتلئة بمبلغ مالي وساعة (روليكس) الشهيرة، وانتظرت هذه الدولة شهورا دون أن يكتب عنها هذا الصحافي المشهور ثناء أو دفاعا عن مواقفها، فعاتبه السفير على صمته هذا، فجاء رد الكاتب (المرشوش) مفاجئا ومضحكا، فقد قال: إن ما قدمتموه لي كان فقط ثمن سكوتي عن انتقادكم، وإذا كنتم تريدون مديحا وتلميعا فادفعوا ثانية! أعود إلى ظاهرة (الرش) في وسطنا الرياضي التي لا يجري الحديث عنها إلا عندما يختلف الإعلاميون فيما بينهم، فيبدأ بعضهم في فضح المسكوت عنه، وهذه إحدى حسنات الخلاف بين الصحافيين، فهي تكشف حقيقة بعض الإعلاميين الذين أساءوا لهذه المهنة، وحولوها إلى ساحة استرزاق وشحاذه، وليتهم دائما يختلفون ليبقى الضوء مسلطا على واحدة من أهم مشكلات وسطنا الرياضي التي لم يتطرق إليها أحد، باعتبارها من أسباب تدهور كرتنا السعودية. [email protected]