واصلنا بحثنا في أوضاع المدينة في المنطقة الشرقية، فقد كان لزاما علينا أن نقف على المدن الصناعية الرئيسة المتقدمة أو ما يطلق عليها اصطلاحا مدن «ذكية». انطلقنا صوب المنطقة الشرقية، وقررنا أن نبدأ بالمدينة الصناعية الأولى في الدمام، التي تعتبر من أول ثلاث مدن صناعية أنشئت في المملكة عام 1390 ه ، أي قبل أكثر من أربعين عاما. ويبلغ عدد المصانع المنتجة في المدينة الصناعية الأولى في الدمام أكثر من 165 مصنعا، يشمل إنتاجها صناعة المواد الغذائية والأثاث والورق والطباعة، وصناعة المواد الكيماوية ومنتجات البلاستيك، ومنتجات الاسمنت والرخام، ومنتجات الألمنيوم والمنتجات المعدنية، والأجهزة الكهربائية والمواد العازلة، وبعض قطع غيار السيارات، وتبلغ المساحة الإجمالية للمدينة حوالى مليونين وسبعمائة وأربعة آلاف متر مريع. موقع المدينة على طريق الدمامالخبر السريع يجعلها تمتاز بقربها من الميناءين البحري والجاف وسهولة وسائل النقل. والمدينة مثلها مثل بقية المدن الرئيسة رسم التخصيص فيها 50 ريالا للمتر المربع تدفع لمرة واحدة. وبحسب الموقع الإلكتروني لهيئة المدن الصناعية، فإن المدينة الصناعية الأولى في الدمام تتوفر فيها كافة الخدمات من طرق وكهرباء وخدمات المياه والهاتف والنظافة العامة وخدمات الصرف الصحي، شبكة الصرف الصحي وخدمات اتصالات متقدمة «مدن ذكية». لكن على أرض الواقع الأمر مختلف، فالكهرباء متوفرة ولا غبار عليها، وكذلك الهاتف لا إشكال عليه، أما خدمات المياه والصرف فهذه نقف عندها كثيرا، فقد طفحت مجاري المدينة في شوارعها، وتكسرت الطرق بشكل لا يمكن أن يقال معه إن هذه الخدمات متوفرة. فبعض الشوارع في المدينة أشبه بوجه عجوز تجاوز عمرها المائة من كثرة الحفر والتجاعيد. موقع المدينة لم أزر المدينة الصناعية في الدمام قبل هذه المرة، وكنت أتوقع أن أشاهد مدينة خارج النطاق العمراني، فيها الكثير من التنظيم، بما عرف عن المنطقة الشرقية أنها متقدمة في هذه الأمور بحكم قربها من أرامكو. لكن المفاجأة بالنسبة لي كانت أن المدينة الصناعية الأولى في الدمام تقع داخل النطاق العمراني لمدينة الدمام، تحيط بها أحياء سكنية من عدة جهات، وهو الأمر الذي يتسبب في إزعاج كبير للسكان، وكذلك الكثير من القلق لعدة نواح، سواء الصحية أو الأمنية بسبب وجود عدد كبير من العمالة، خلافا للازدحام المروري الذي يحيط بمدخلها. ومن الأمور المتعارف عليها أن المدن الصناعية يجب أن تكون بعيدة عن النطاق العمراني للمدن المأهولة. أملاك خاصة تحيط بالمدينة عند اقترابنا من المدينة أخبرني زميلي المصور أن المباني الملاصقة التي تتداخل مع المدينة الصناعية هي أملاك خاصة لأفراد، وبحسب المشرف على المدينة الصناعية إبراهيم ثابت، فإن المدينة غير مسؤولة عن نظافتها والخدمات فيها.الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا لم يكن هناك حرم للمدينة الصناعية، وتأتي الأملاك الخاصة بعد هذا الحرم لتتبين حدود المدينة ويسهل الحكم على الخدمات المقدمة فيها. بنوك داخل الصناعية تشعر عند دخولك للمدينة الصناعية الأولى في الدمام بأنك داخل على مجمع للبنوك، إذ أن هناك أكثر من بنك يجعلنا نتساءل عن سبب هذا الكم الكبير من البنوك في منطقة صناعية داخل النطاق العمراني، وكان الأولى بالمساحة التي تحتلها تلك البنوك في مرافق خدمية أكثر أهمية للمدينة، لكن بسؤال المشرف على المدينة إبراهيم الثابت أوضح أنهم يحتاجون للمزيد من البنوك لتوفير الخدمات داخل نطاق المدينة. تداخل المسؤوليات لاحظت أثناء تجوالي في المدينة الصناعية وجود لوحة جدارية كتبت عليها عبارة «أمانة مدينة الدمام إدارة الصيانة والتشغيل» وتحيط بها النفايات والقمائم، سألت المشرف على المدينة فأفاد أن هناك تداخلا بين هيئة المدن الصناعية، وأمانة مدينة الدمام، وكذلك وجود مقرات عدد من الشركات في أملاكها الخاصة المتداخلة مع أرض المدينة، وكل جهة تتحمل مسؤولية إدارة الجزء الخاص بها، وبناء على إفادة المشرف على المدينة الصناعية فإنه يبين أن هيئة المدن غير مسؤولة عن التلوث الظاهر في بعض الأجزاء، وهذا من وجهة نظري الشخصية خلل كبير لأن هيئة المدن تعتبر الجهة المسؤولة عن المدن الصناعية ويجب أن تتحمل هذه المسؤولية. مياه راكدة وأثناء تجوالنا داخل المدينة لاحظت عددا من مستنقعات المياه الراكدة، تغمر بعض شوارع المدينة وعددا من أكياس النفايات تتناثر في البعض الآخر، منها فيه بقايا أطعمة متعفنة، نزلنا زميلي المصور وأنا بهدف تصوير هذا المنظر، إلا أن الرائحة الكريهة لم تجعلنا نستطيع أن نقترب من هذا المستنقع لكن المفاجئ هو كميات البعوض المنتشر حول هذه المياه، إذ يبدو أنها تتحرك كأسراب تستطيع تحريكها بمجرد الخوض في مياه تلك المستنقعات، وهو ما ينذر بخطر كبير يهدد بنقل الأمراض لقرابة ال 13 ألف عامل يعملون داخل المدينة الصناعية الأولى في الدمام. نفايات في كل مكان رصدت عدسة زميلي المصور النفايات المنتشرة في كل مكان وهو الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبيرة، إذا كان هذا الجزء من المدينة، وبحسب إفادة مشرف المدينة الصناعية يقع خارج نطاق مسؤوليات هيئة المدن الصناعية، أم أنه في نطاق «أمانة مدينة الدمام إدارة الصيانة والتشغيل»، فكيف هي إذن الحال في المناطق الأخرى، إذا كانت كميات النفايات بهذا الشكل ؟. سؤال يبحث عن إجابة، نتمنى أن تأتينا من أمانة الدمام لنفهم وجهة نظرها، خصوصا أن الحاويات ممتلئة والنفايات تحيط بها من كل صوب. أرصفة مخلخلة كانت العديد من أرصفة شوارع المدينة التي يمكن أن تسمى اصطلاحا أرصفة، بينما هي في الحقيقة عبارة عن بلاط اسمنتي متخلخل، وهي متكسرة بسبب اضطرار السيارات للسير عليها لكثرة حفر الشوارع المغمورة بالمياه الراكدة، التي لا يمكن مشاهدتها، فيكون من أسلم الحلول لقائدي السيارات السير على الرصيف اتقاء لشر الحفر، وأخذا بمبدأ ما تستطيع رؤيته خيرا مما لا تراه. أمن العقوبة ما أن تحركنا من المنطقة الغربية في المدينة الصناعية تجاه المدخل الرئيسي حتى شاهدنا مجموعة من العمالة تحفر في الشارع. لكن اللافت أن هذه المجموعة كانت تعمل وسط الطريق والسيارات تمر مسرعة من حولهم، دون اتخاذ أي احتياطات أو أي عامل من عوامل السلامة، فلا سواتر ولا أية إشارة تدل على وجود منطقة عمل في الطريق، بل على العكس تماما، هم يعملون بشكل طبيعي، وكأنهم معتادون على العمل بهذه الطريقة، وذلك ما يعني أنه لا يوجد من يراقبهم، وعلى رأي المثل «من أمن العقوبة أساء الأدب». سرعة عالية وغياب الإشارات وعندما تعمقنا في شوارع المدينة لاحظنا أن معظم السائقين من جنسيات آسيوية يقودون سياراتهم بسرعات عالية، إذا ما قيست بكونها داخل مدينة صناعية مكتظة بالسيارات. ورغم كثرة التقاطعات والسير بسرعات عالية في المنطقة من قبل الكثيرين من السائقين الذين يبدو أنهم يعملون بالإنتاج أو بعدد الحمولات، إلا أن إشارات المرور غائبة عند تقاطعات المدينة. سؤال يوجه لمرور المنطقة الشرقية: أين إشارات المرور في المدينة الصناعية الأولى في الدمام؟. مصدر للتلوث بعد أن أنهينا جولتنا السريعة في المدينة، قررنا الخروج من المدينة بهدف لقاء بعض الساكنين بالقرب من المدينة للتعرف على آرائهم ومخاوفهم من اقتراب المدينة من مساكنهم، فقال أحمد عبدالله: «لقد سعدنا كثيرا عندما سمعنا أن هناك توجها لنقل المدينة من موقعها الحالي، وأنه سيتم تنفيذ توصيات اللجنة المشكلة لدراسة ومناقشة لائحة المواقع والأنشطة المقلقة للراحة، التي تمثل خطرا وضررا على الصحة العامة والبيئة، وما تسببه من تلوث وإزعاج وازدحام، نعاني منه كثيرا. وأضاف: نتمنى أن يتم ذلك في أسرع وقت وأن لا ننتظر لمدة خمس سنوات، وأن تنقل المصانع التي تسبب التلوث بشكل فوري، الانتهاء من تسلم الموقع المعد للمدينة الصناعية. الخطر الكيميائي أما المواطن عبدالرزاق ثامر فيرى أن تداخل المدينة الصناعية في النطاق العمراني يمثل خطرا كبيرا، خصوصا إذا ما اشتعل حريق في أحد المصانع وانتشر هذا الحريق، أو لا قدر الله حدث تسرب كيمائي من أحد المصانع، كيف سيتم التعامل معه.. ويضيف عبدالرزاق «نتمنى أن يتم الإسراع في تفعيل اللائحة التنفيذية الخاصة بالأنشطة المقلقة للراحة والخطرة والمضرة بالصحة والبيئة والصادرة بقرار سام. وبحسب المادة الثانية من نظام الدفاع المدني فإنه «يقصد بالكارثة المنصوص عليها في هذا النظام كل ما يحدث من حريق أو هدم أو سيل أو عاصفة أو زلزال أو أي حادث آخر من شأنه أن يلحق الضرر أو يهدد بالخطر حياة الأفراد أو الممتلكات العامة أو الخاصة». ويتساءل: هل ننتظر حتى تقع الكارثة أم ننقل المدينة من موقعها؟، أيها أجدى نقل الأحياء السكنية أم نقل عدد محدود من المصانع؟، مستشهدا بتوصيات لجنة المواقع الخطرة التي تم تشكيلها بمشاركة سبع جهات حكومية وخاصة، خرجت بعدة توصيات من أهمها إنشاء مدينة صناعية جديدة خارج النطاق العمراني تنقل إليها المدينة الصناعية الأولى في الدمام، معتمدة في توصياتها على أن وجود المدينة داخل النطاق العمراني يشكل هاجسا مخيفا، لما تحتويه من مصانع خطرة ومضرة بالصحة والبيئة، وكذلك ما تسببه من ازدحام مروري نتيجة ارتفاع عدد السكان، حيث أصبحت مصدر قلق وإزعاج للجهات الرسمية لصعوبة التدخل السريع عند مواجهة أي خطر. لا خطر على المدينة سألت رئيس اللجنة الصناعية في الغرفة التجارية في المنطقة الشرقية سلمان الجشي، الذي أفاد أنه لا يوجد خطر من وجود المدينة الصناعية داخل النطاق العمراني وأن الجهة المخولة بنقل المصانع هي هيئة المدن الصناعية. مفيدا أن جميع المصانع الواقعة في نطاق هيئة المدن الصناعية ملتزمة باشتراطات السلامة البيئية.