الصناعة في المدينةالمنورة لها تاريخ قديم قدم المدينة نفسها، فقد عرفت منذ العصور الغابرة صناعات أولية تسد الحاجة المحلية أو قسما منها، وكانت تعتمد على المواد الأولية الموجودة في البيئة غالبا، فظهر فيها عدد من الصناعات الخشبية التي كان مصدرها الأشجار في المزارع والغابات القريبة، كصناعة أبواب البيوت والنوافذ وأخشاب المحاريث والأثاث المنزلي من الأسرة والصناديق والكراسي والمناضد وغير ذلك، وتقدمت هذه الصناعة ووصلت إلى مكانة مرموقة. وظهرت كذلك صناعة معدنية بدائية لصناعة بعض الأدوات المستخدمة في الزراعة أو الأدوات المنزلية وبعض الأدوات المعدنية المستخدمة في الزراعة وتربية المواشي. وازدهرت يثرب في صناعة الحلي والصياغة، وظلت الحركة الصناعية فيها بين مد وجزر، حتى بداية العهد السعودي حيث بدأت تتغير الأحوال، فنشطت المصانع الصغيرة أول الأمر وأنشأت مدرسة دار الأيتام قسما خاصا لتعليم طلابها الحرف، في ورش إنتاجية أسهمت في سد حاجة أهل المدينة من بعض المصنوعات. ومع استتباب الأمن وبدء الازدهار في جوانب الحياة الأخرى بدأت الصناعة تتطور بما يتناسب مع ذلك الوقت، إلى أن وصلت مرحلة معينة ثم بدأ يحصل بعض الجمود. هذه المقدمة التاريخية ليس الهدف منها درسا في التاريخ، ولكن ما نود قوله إنه في الوقت الذي كان يجب أن تقفز الصناعة في المدينةالمنورة، قفزات كبيرة بدأت تتراجع، ومعظم من تحدثنا معهم عن الأسباب التي أدت إلى هذا البطء تحدثوا عن عدد من الأسباب تتفق في حين وتختلف في آخر، وكان لزاما علينا قبل أن نحكم على صحة هذه المعلومات أو عدمها، أن نقف على حال المدينة الصناعية التابعة لهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، بحكم أنها هي الجهة التي يجب أن تتولى رعاية الصناعة وتقديم الدعم للوصول إلى صناعة متطورة ومزدهرة تسهم رفع أسم المملكة عاليا في مجال الصناعة، والمنشأة منذ مايقارب العشر سنوات ولها عدد من المزايا، ولعل أولها قربها من ميناء ينبع التجاري (190 كلم)، وكذلك قرب الحرم المدني الشريف (17 كلم) الذي يوفر سوقا تجارية كبيرة تدعم النشاط الصناعي في المنطقة، وكذلك قرب مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز (30 كلم). في الطريق إلى المدينة الصناعية في المدينةالمنورة، تلفتك صعوبة الطريق لدرجة أنه يخيل إليك أنك تنافس في سباق للراليات التي تعتمد على الطرقات الوعرة، ولا شك أن هذا الأمر يعاني منه أصحاب المصانع والعاملون في المدينة الصناعية، خصوصا أن الطريق مليء بالحفر والمطبات التي تجعل سياراتهم لا تغيب عن مراكز الصيانة. مصنع الدباغة ما أن دخلنا إلى المدينة الصناعية وبدأنا نتجول فيها، لفت انتباهنا أحد المصانع مكتمل البناء، لكن يبدو أنه مهجور منذ فترة طويلة، سألنا عنه وعلمنا أنه مصنع لدباغة الجلود التي تشتهر بها المدينةالمنورة، وقطعت فيها شوطا كبيرا خلال السنوات الماضية، إلا أنها بدأت تتراجع.. وتحدثنا إلى حمدي عباس عطية الذي أوضح أن المصنع أغلق منذ بداية العام1428 حيث فوجئنا بأمر إغلاقه رغم أنه مرخص من وزارة الصناعة ولدينا التراخيص البيئية اللازمة واستكملنا كل الإجراءات النظامية لذلك. وأضاف أن بداية المشكلة كانت مع إغلاق مرمى الأمانة الذي انسحب على نشاطنا، ففوجئنا حينها بخطاب استدعاء من شرطة العزيزية لأخذ تعهد بإغلاق المصنع، وعند سؤالنا عن الجهة التي نراجعها في هذا الخصوص ولكن لم نحصل على أي جواب، فذهبنا إلى الأمانة التي أكدت أنها ليست من أعطى الأمر بإغلاق المصنع، وأشارت وقتها إلى أن المصنع يقع في المدينة الصناعية التابعة لهيئة المدن، وعلينا مراجعة الهيئة. وبالفعل راجعنا الهيئة التي قالت إنها لم تغلق المصنع. وقال من منعنا من مزاولة النشاط، مرة أخرى نحن في حيرة ولا نعلم من نراجع. لا تصريف صناعياً وتابع عطية مشكلتنا الرئيسية، التي أدت إلى إغلاق المصنع هي عدم وجود التصريف الصناعي في المدينة الصناعية، فحجتهم في إغلاق المصنع أن المياه الناتجة عن دباغة الجلود تتسبب في تلوث المنطقة والمياه الجوفية فيها، ونحن حين تقدمنا للحصول على ترخيص صناعي كانت هناك اشتراطات ومنها تقديم دراسة بيئية وإنشاء محطة معالجة لمخلفات الدباغة، فالتزمنا بالشروط وأنشأنا المحطة وفق المعايير التي حددتها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وحصلنا على الشهادة البيئية التي تثبت التزامنا بمعايير البيئة، لكن المشكلة القائمة هي عدم وجود شبكة صرف صناعي يمكن ضخ المياه الناتجة عن عملية الدباغة بعد معالجتها في هذه الشبكة، وهذه ليست مسؤوليتنا إنما هي مسؤولية المدن التي يجب عليها توفير البنية التحتية اللازمة لبناء المصانع وليس فقط تحصيل الإيجارات ورسوم التخصيص. وحول الخسائر التي تكبدها جراء إقفال المصنع قال إنها تجاوزت الخمسين مليون ريال، وسأل: هل هيئة المدن ستعوضنا هذه الخسارة، التي يضاف إليها تكلفة المصنع وصيانة خطوط الإنتاج المعطلة وكذلك الوظائف والعمالة التي سرحناها بعد إغلاق المصنع. لا مصانع للخرسانة تركنا عطية في همه والتقينا حسين الردادي أحد أصحاب مصانع الخرسانة، وقال: مشكلتنا أننا وقعنا بين سندان هيئة المدن الصناعية ومطرقة الأمانة، فالمدن لا تمنحنا تراخيص لإنشاء مصانع داخل المدينة الصناعية، والأمانة سلمتنا إلى مستثمرين في المنطقة المخصصة لمصانع الخرسانة يتحكمون في الإيجارات كما يشاؤون. وأضاف أن ما يصعب علينا فهمه هو كيف لا تسمح هيئة المدن لمصانع الخرسانة بالعمل وهناك مصنعان يعملان داخل المدينة الصناعية، وهذا بحسب الموقع الالكتروني الخاص في هيئة المدن الصناعية على شبكة الإنترنت الذي يستطيع أي شخص أن يرى ذلك ويتأكد منه. الكهرباء مرتفعة التكاليف واستطرد قائلا: معاناتنا مع المدينة الصناعية كبيرة من الخدمات الموجودة في المدينة، مثل الكهرباء الضرورية لأي صناعة، لكن السؤال هو كم تكلفة إيصال الكهرباء التي يجب أن تكون معقولة لتشجيع الصناعة الوطنية؟ وهل تعلمون أن تكلفة محطة الكهرباء الخاصة بالمصنع قد تصل إلى مليون ريال، حسب قرب أو بعد المصنع عن المحطة الرئيسية؟، أما في حال وجود مصانع قريبة وصلتها الكهرباء يكون الأمر أسهل ولكن التكاليف لا تقل في معظم الأحوال عن 300 ألف ريال كرسوم. وأضاف ألم يكن من المفترض أن تتولى هيئة المدن تحديد رسوم الكهرباء بالاتفاق مع الشركة السعودية للكهرباء لدعم الصناعة، مشيرا إلى أن الهيئة نفسها تشترط رسم تخصيص عن منح الترخيص 25 ريالا وهو مبلغ كبير خصوصا للمدينة الصناعية في المدينةالمنورة. وتابع قائلا: يقولون إن هذا الرسم هو لتوفير الخدمات.. نحن نسأل أين هي هذه الخدمات؟ هل هي قطعة أرض واسفلت، وإذا كان صاحب المصنع سيدفع للكهرباء وسيدفع رسوم التخصيص لهيئة المدن وملزم بإيجار سنوي بصرف النظر عن قيمة هذا الإيجار هذا عدا الغرامات التي قد تفاجئه في لحظة، فما الذي سيبقى له وماذا يستفيد إذا كان سيدفع أكثر مما قد ينتج؟. وأشار الردادي إلى معاناة أخرى يواجهها الجميع وهي عدم وجود شبكة لإيصال المياه، وهذا الأمر يدفع المصانع إلى اعتماد جلب المياه عن طريق الصهاريج التي تكلف الكثير ولا يمكن الاعتماد عليها لإنشاء مصنع. واقترح إيصال المياه إلى المدينة الصناعية عن طريق شركات خاصة أسوة بالمدينة الصناعية الأولى في جدةوالمدينة الصناعية في الرياض وكذلك الدمام، خصوصا أن هذه التجربة نجحت في توفير المياه للمصانع طالما أن إمكانيات هيئة المدن لا تساعدها في الفترة الحالية. جمال داخل المدينة وقبل أن ينهي حديثه قال: اذهبوا وانظروا إلى سور المدينة الصناعية، فهو مهدم في إجزاء كثيرة منه، وذلك ما يجعل الجمال والأغنام ترعى داخل المدينة، في منظر لا يوحي بأن هناك صناعة متطورة، إنما بعض المباني تحيط بها نفايات تكون مرتعا للحيوانات. وقال: لا أبالغ إن قلت إن المدينة الصناعية كانت قبل سنوات قليلة مكانا لتجمع حظائر الأغنام والإبل، التي اضطر أصحابها أخيرا إلى نقلها إلى أماكن ليست بعيدة عن المدينة. قنوات تصريف رملية لفت انتباهنا أثناء تجولنا في المدينة الصناعية أن القنوات المخصصة لتصريف السيول والأمطار حول المدينة، هي قنوات رملية وغير مكسية بخرسانة تساعد على سرعة جريان المياه، خصوصا أن المنطقة تحيط بها الجبال مع عدة جهات. وما وزاد من استغرابنا أن مشرف المدينة حين التقيناه، أخبرنا أن هذه القنوات تكلف إنشاؤها أربعة ملايين ريال. البنية التحتية لم تكتمل بعدما سمعنا حديث الصناعيين قررنا أن نسمع من الطرف الآخر لعلنا نجد لديه ردودا على التساؤلات التي نحملها، فالتقينا المشرف على المدينة الصناعية في المدينةالمنورة المهندس إبراهيم الجابري الذي قال إن المدينة ما زالت حديثة ولم تكتمل بعد، وكل ما أنجز خلال التسع سنوات الماضية، هو تطوير المرحلة الأولى بثلاثين مليون ريال والمرحلة الثانية باثني عشر مليونا، وكذلك الانتهاء من قنوات تصريف الأمطار بقيمة إجمالية بلغت أربعة ملايين ريال، أي بمجموع 46 مليون ريال. وحول أن بعض المصانع التي رأيناها ولم تكتمل، قال إن هذه المصانع غير منتجة وهو ماجعلنا نستغرب كيف تحكم عليها وهي مازالت في مرحلة وضع الأساسات، وأضاف «نحن نتابع المصنع فور حصوله على التراخيص فإذا رأيناه يتباطأ في عملية الإنشاءات نشعره بذلك، وبعد مرور سنتين إن لم يبدأ الإنتاج، نضاعف عليه الإيجار فإن لم يلتزم بالإيجار يسقط حقه في الرخصة ونطالبه بإخلاء الموقع ومنحه إلى مستثمر آخر». نرحب بالجميع وحول المصانع التي تقع خارج المدينة الصناعية قال إن الهيئة تشرف على المصانع داخل المدن الصناعية ولا تلزم أحدا بالانتقال إلى داخل المدينة الصناعية، ولكنه أشار إلى أن هناك توجها بأن تتحول المصانع إلى داخل المناطق المخصصة للصناعة، وهذا من مسؤولية إمارات المناطق، مضيفا أن المدينة الصناعية مهيأة لاستقبال جميع الصناعيين، خصوصا أن المساحة الإجمالية للمدينة تقارب العشرة ملايين متر مربع.. ولفت إلى أن المدينة الصناعية في المدينةالمنورة مقسمة إلى مربعات خصصت لكل نوع من الصناعة، فهناك مواقع مخصصة لمصانع المواد الغذائية وأخرى للمعادن والبلاستيكة مع إمكانية تخصيص المزيد من المساحات بحسب الحاجة.