(كان العمل في فندق سواري، كثيفا بشدة في ذلك اليوم، فقد قدم إلى الفندق في أول المساء ثلاثة من الأفارقة، يأتون لأول مرة، ولا بد أنهم كانوا مهمين بشدة في بلادهم، أو لعلهم في الدنيا كلها، لأن معظم سكان الغرف، تجمعوا في البهو لتحيتهم، حين عرفوا بوجودهم، زغردت لهم واحدة من عاملات الطبخ زغرودة طويلة صاخبة، واستخدم واحد من الجرسونات صينية حمل الأطباق آلة إيقاع همجية، وظفها لتحيتهم، وحتى مدير الفندق الذي لا يشاهده أحد إلا نادرا، ولا يعرف قسم السيد، من أين يدخل ومن أين يخرج، ولقبه في سره بصاحب البوابة السرية، شوهد في ذلك اليوم، بابتسامة من صنع أسنان أكلها التبغ، ينحني أمامهم باحترام.. كانت هواتفهم المحمولة، ترن داخل جيبوبهم بلا توقف، وسواعدهم قوية، وهي تمتد لمصافحة الآخرين، وحين تحدث أحدهم ليشكر الجميع على حفاوتهم، كان باستطاعة قسم السيد أن يسمعه بوضوح، وأن يفهمه، فقد كان يتحدث العربية نظيفة بلا أي شائب أجنبي. انتظر حتى اقترب منه أحد المحتفين، وكان يشعل هاتفه المحمول في وضع التصوير، يطارد الرجال، من زاوية إلى زاوية. سأله بلهفة: من هؤلاء؟ كان قد صنفهم سياسيين مرموقين، أو لاعبي كرة معتزلين يعملون سفراء للنوايا الحسنة، تلك الوظيفة التي سمع بها كثيرا ولا يعرف معناها. ثم عاد وصنفهم أعضاء فرقة موسيقية، ربما قدموا لإحياء حفل في البلاد، وكانوا في الواقع لا يشبهون السياسيين، ولا المغنين الذين تضج وجوههم مجونا وصعلكة، وأبعد ما يكونون عن لاعبي الكرة، لأن أجسادهم فيها ترهل، وتعرجات، وعن المستثمرين الغازين للبلاد، الذين ألف وجوههم، وحقائبهم، وأحلامهم التي تندلق حتى لو سعلوا. إنهم يوسفو ودوقاجي والأحدب الأفريقي. ما هي أهميتهم؟ إنهم أكثر ثلاثة أشخاص في الدنيا كلها، بلا أهمية على الإطلاق. أنت أهم منهم، أي متسول أهم، أي كانون يشعل فيه الفحم أهم.. أي.. قاطعه قسم السيد وقد داهمته دهشة مخبولة، والهاتف الكاميرا، في يد الرجل، وكاميرات أخرى في أيدي رجال ونساء، ما زالت تطارد الزوايا، وتبتدع الصور، أكواب عصير الفراولة في أيدي الجرسونات، وعقود من الورد المتشابك في طريقها إلى الأعناق، وعدد من النزلاء، تزاحموا على كتوف الرجال، وضعوا أيديهم عليها، ليحصلوا على صور تذكارية، كيف؟. تأتي أهميتهم، من كونهم بلا أهمية، هذه هي الحقيقة. ردد حامل الكاميرا الهاتفية، وابتعد محاولا أن يلتقط صورة لأحد الرجال الثلاثة، وهو ينحني ليحكم رباط حذائه). للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة