المتابع بشكل حثيث لتفاعلات الأحداث الحالية في العالم العربي يرى حقيقة أن الحدث المعاصر لم يعد يمكن تحليله وقياسه على مسببات وأنماط الأحداث قديما، ففي العصر الحالي باتت صناعة الحدث أشبه بالإشراف على تفاعل كيميائي يمتد عبر وسائط الإعلام والاتصالات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والجمعيات والهيئات الدولية والرأي العام العالمي ومنظمة مثل «ويكيليكس» المختصة بتسريب المعلومات السرية حيث صرح بعض المسؤولين أنه كان لتسريباتها أثر محفز في تفاعلات الأحداث في تونس ومصر، وقد سنت ويكيليكس سنة التسريب للوثائق السرية بالشكل الخام الذي رأيناه في تسريب محاضر اجتماعات المفاوض الفلسطيني لفضائية إخبارية، وتتصل سلسلة التفاعلات تلك بالنفسية الفردية عبر وسائل الإعلام والاتصال لتشكل نفسية وعقلية جماعية ورأيا عاما في الواقع الافتراضي يتم التنسيق لتفاعلاته في الواقع المادي حتى بدون وجود قيادة تترأسه كما كان الحال في أحداث تونس ومصر أخيرا، ولم تعد صناعة الحدث تتبع النمط المستفرد الإكراهي الذي لا زالت تؤمن به الجماعات الإسلامية العنفية، بل صارت بنمط التفاعل الكيميائي التعاوني التنسيقي بين الناس مع الاعتماد على دوائر التفاعل الدولي وضغوط الهيئات الدولية والرأي العام الدولي لعدم استعمال العنف في قمع التحركات الجماعية عبر الواقع الافتراضي والواقع المادي، وما عاد يمكن للقوى الدولية إحراج نفسها أمام رأي ناخبيها والرأي العام العالمي باتخاذ موقف مغاير للإرادات الشعبية لأن العالم بات ساحة موحدة مكشوفة عبر الفضائيات والإنترنت، وهذا يولد طفرة في ظروف الواقع البشري لجهة جعله أكثر عدالة وتلبية لطموحات أفراد المجتمعات لأنه بات لدى الأفراد وسائل لإلقاء الأضواء على واقعهم الشخصي وصناعة الحدث بشكل مباشر عبر الإعلام والاتصالات والإنترنت، وهذا لا يمكن إلا أن يكون في الصالح الجماعي، وتجاهل معطيات هذا الواقع بالتضييق على وسائط التواصل لا يمكن أن يعيد العجلة إلى الوراء، إنما فقط سيؤدي لزيادة تأزم الواقع، خاصة أنه في السنن الإلهية سنن مختصة بأن تكون أشبه بإنترنت طبيعي لصنع رأي جماعي ونمط جماعي موحد بغض النظر عن التواصل المادي وهو ما يعرف «بنظرية تأثير المائة قرد » The hundredth monkey effect حيث لاحظ العلماء أن أي نمط مستجد من السلوك إذا بلغ عدد من يتبعه كتلة حرجة معينة فهو تلقائيا يظهر في بقية البشر حتى بدون تواصل مادي بينهم، كما في التجربة الأولى لتلك النظرية على القردة والتي توصلوا فيها لأنه عند تعليم مائة قرد في جزيرة معزولة نمطا مستجدا من السلوك تلقائيا ظهر ذلك السلوك في القرود حول العالم بدون أي تواصل مادي بينها، وقد أكد هذا الأثر؛ المشروع المتولد عن أبحاث لجامعة برينستون العريقة المسمى «مشروع الوعي العالمي-GCP- The Global Consciousness Project» حيث توصل العلماء في مختبرات جامعة برينستون (PEAR) إلى أن الاهتمام الجماعي أو النية الجماعية حول أمر ما يولد تأثيرا ينتقل إلى اللاوعي الجماعي للعالمين يمكن رصده عبر أجهزة صممت لهذه الغاية REGs. والآن هناك شبكة من تلك الأجهزة حول العالم لتسجيل ذلك الأثر ومن أشهر القراءات التي سجلتها هي تلك التي كانت قبل ساعات من وقوع أحداث 11سبتمبر، فنوايا جماعة صغيرة من المسؤولين عن أحداث 11سبتمبر انتقلت للاوعي الجماعي للعالمين، وثمرة تلك المعلومة التي وصلت للاوعي الجماعي أن عديدا من الذين كان يفترض وجودهم في مواقع الحدث امتنعوا عن الذهاب فقط بسبب شعورهم بالانقباض النفسي «الحدس» وآخرون رأوا أحلاما عنه، وبهذا الحدث وبأكثر من 300 حدث آخر غيره أثبت العلماء المشرفون على هذا المشروع مبدأ أن النية القوية والنمط الجماعي والاهتمام الجماعي لفئة يمكنه الانتقال مباشرة إلى اللاوعي الجماعي للعالمين حتى قبل وقوع الحدث، ولعله في هذا المبدأ كان الحديث النبوي (لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان) أحمد. فالإنترنت الاصطناعي وإنترنت «اللاوعي الجماعي» يصوغان أنماطا جماعية مستجدة وعلينا استشراف ماهيتها والتجاوب المثمر معها لكي لا تصل تفاعلاتها لحد الأزمة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة