كان ليل الثلاثاء لاهثا، بعد يوم لم يسبق أن تكرر مشهده في القاهرة وكثير من محافظات مصر. الكل يسأل ما الذي سيحدث بعد أن أصرت الجماهير على مطالبها وخرجت كالموج المتلاطم تملأ الميادين والشوارع. الفضائيات تضخ التكهنات المختلفة بحسب الميول والرغبات والأمنيات، وفجأة يطل علينا بعد منتصف الليل صاحب الشأن والمعني الرئيسي بكل هذا الصخب، الرئيس حسني مبارك، ليلقي خطابا اختلطت فيه العاطفة بالوعود، وامتزج خلاله الهدوء بالقلق. لم يكن ثمة جديد مفاجئ في الخطاب. ذات الوعود التي ذكرها نائبه في الليلة السابقة، مع إضافة التأكيد على استمراره إلى نهاية فترة ولايته وعدم ترشحه للرئاسة مرة أخرى، والعمل على استعادة الأمن كمسؤولية أولى خلال هذه المرحلة.. المفاجأة جاءت من بعض الأطراف اللاعبة في الساحة السياسية المصرية حين أكدت أن مظاهرات مؤيدة لبقاء الرئيس سوف تنطلق كتعبير عن الرأي الآخر، أي أن الضد وال «مع» سوف يتواجدان معا في ساحة محتقنة قابلة للانفجار لو حدث بالفعل تنظيم مظاهرات مضادة، ولا سيما أن جماهير المعارضة قد رفضت ما جاء في خطاب الرئيس جملة وتفصيلا. وحتى تكتمل إثارة المشهد كان علينا أن نسهر إلى بواكير صبح الأربعاء لنسمع ماذا سيقول الرئيس باراك أوباما بعد أن فاجأنا خبر عاجل أنه سيلقي خطابا خاصا بالشأن المصري. ومن ذا الذي لا ينتظر كلمة البيت الأبيض في أزمات كهذه؟ إذا أردنا أن نفهم كلمة الرئيس أوباما على ظاهرها فإنها دبلوماسية جدا، وتكاد تكون محايدة جدا إلى حد افتقادها الأهمية التي يستحقها ظرف كهذا. أما إذا أردنا قراءة ما بين السطور فإنها ستكون كلمة مررت رسائل هامة، وحددت موقفا يكاد يكون واضحا تجاه أزمة مصر، ولا سيما أنها جاءت بعد وقت قصير من كلمة الرئيس مبارك، وبعد اتصال هاتفي دام نصف ساعة. ماذا يعني حين يركز خطاب أوباما على مخاطبة الشعب المصري، وعلى حق الجيل الجديد في إسماع صوته وتحديد مصيره؟ ماذا يعني قوله إن فصلا جديدا في دولة عظيمة قد بدأ؟ ماذا يعني قوله إن نقطة التحول قد حانت؟ ماذا يعني قوله إن الشعب المصري وحده هو من يحدد مصيره، ولا أحد يملك حق التدخل في هذا الأمر؟ والأهم الأهم هو أن ماذا يعني قوله إن «الانتقال السلمي للسلطة يجب أن يبدأ الآن»؟ احترامنا للشعب المصري وسلطته أيا كانت الظروف يجعلنا نضعه في منزلة أكبر من الوصاية عليه، لكن ذلك لا يجعلنا نستهين أو نقلل من أهمية خطاب بهذه المضامين لرئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، حين نستدعي اعتبارات وأسبابا كثيرة لأهميته، وفي هذا الظرف الدقيق.. خطاب يكاد يمثل الضد لخطاب الرئيس مبارك، ويتوجه إلى الشعب المصري أكثر من كونه ملخصا لمحادثات بين رئيسين.. فهل يكاد يكون الأمر قد قضي ليل الثلاثاء؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة