قدم فيلم «حليم» درجة عالية من تقنية تقمص الممثل للشخصية، ولعل هذا كان السبب في حدوث حادثة غريبة ونادرة تحفظ في التاريخ السينمائي المصري، فتقمص الراحل أحمد زكي لشخصية الفنان عبدالحليم حافظ في نهاية حياته أدت بطريقة أو بأخرى إلى تغيير مسار حياة زكي ليتحول دوره من تجسيد شخصية أخرى إلى تجسيد شخصيته هو وتصبح أحداث الفيلم حقيقة وليست تمثيلا! في الفيلم قام أحمد زكي بدور حافظ في مراحل حياته الأخيرة عندما بلغ ذروة نجاحه ومرضه في ذات الوقت بدءا بمشهد سقوط حافظ في المسرح بعد إغلاق الستارة مباشرة، الأمر الذي أدى إلى نقله للمستشفى بعد حفلته الغنائية التي غنى فيها (قارئة الفنجان) وتوقف تصوير الفيلم بسبب مرض أحمد زكي ونقله للمستشفى أيضا. وكما أصر عبدالحليم على إكمال سلسة حفلاته، أصر أحمد زكي على مواصلة إكمال الفيلم متحليا بعزيمة عبدالحليم ومكابرا مثله على المرض، وكأن النجاح الفني هو العلاج لكليهما، فكان عبدالحليم يغني وكأنه في أفضل حالاته إلى أن تنتهي وصلته الغنائية وتغلق الستارة فينتابه النزيف الحاد، وأحمد زكي في فترة التصوير يؤدي دوره بجدارة إلى أن ينتهي المشهد لتنهال عليه آلام المرض. أحمد زكي معروف بقدرته على لبس وتقمص الشخصية بحرفيه إلا أنه في هذا الفيلم عاش شخصية عبدالحليم بكل جوارحه لدرجة خاصة جدا، إلا أن حياته انتهت بنهاية عبدالحليم في الفيلم. ربما يكون السبب ليس فقط في قدرة الممثل على التقمص، ربما يكون دافع حبه للشخصية من الأساس وتعلقه بها له دور أيضا، فأحمد زكي ربطته عدة روابط مع عبدالحليم بطريقة أو بأخرى، ففي عدة أفلام غنى أو قلد عبدالحليم، بل إنه رصد وقت وفاته في فيلمه (زوجة رجل مهم) حيث إن زوجته في الفيلم (مرفت أمين) كانت تسمع أشرطة عبدالحليم كلما أصابها الضيق من زوجها وكانت تلح عليه لحضور حفلة من حفلاته إلى أن سمعت بخبر وفاته، الأمر الذي تسبب في حزنها الشديد وبكائها عليه. إضافة إلى ذلك كان أحمد زكي تربطه علاقة صداقة قوية بالجميلة الراحلة (سعاد حسني) والتي بدأت قبل تصوير فيلم الكرنك، حيث كانت هي من رشحته للقيام بدور حبيبها في الفيلم، الأمر الذي تم رفضه من قبل الإنتاج قبل بدء التصوير ليستبدل بالفنان نور الشريف، سعاد هي من وقفت بجانب زكي في هذه المحنة وجعلته هي وصلاح جاهين يعدل عن فكرة الهجرة واستمرت صداقتهما بعدها على مدار سنين وجمعت بينهما عدة أعمال فنية كفيلم (دعوة على العشاء) والمسلسل الغنائي (هو وهي) إلى خاتمة أفلامها (الراعي والنساء)، ويعلم جميع محبين عبدالحليم وسعاد حسني بالعلاقة العاطفية التي ربطت الطرفين، فكانت سعاد بمثابة عامل حي مشترك بينهما. لعل هذين العاملين أديا بأحمد زكي لأن يختلط صوته بصوت عبدالحليم في جملتهما الأخيرة قبل وفاتهما والتي كرر ذكرها في نهاية الفيلم عندما قال «مايهيمنيش أموت بكرة، مايهمنيش أموت بعد مية سنة، أنا يهمني لما أموت أكون محافظا على مكانتي» ومات بعدها عبدالحليم ومات أحمد زكي وكلاهما محافظ على مكانته.