تتميز حشرة «الزيز» Cicada بأسرار عجيبة، هذا الكائن الصغير الذي يبدو وكأنه ضعيف يتميز بقوة عجيبة في رفع الأحمال الثقيلة جدا نسبة إلى حجمه، وبالإضافة إلى ذلك فهو يتميز بقدرات مناورات طيران عجيبة، مع العلم بأن أجنحته تبدو وكأنها ثقيلة، بل وكأن شكلها «غلط» ومقاسها مفصل لكائن آخر، وتميزه أيضا أصواته المزعجة التي يصدرها، وخصوصا أثناء الليل وكأنها صادرة من مخلوق أكبر حجما، ولكن العجائب الفريدة لهذه الحشرة هي ذات أبعاد رياضية. والموضوع باختصار أن الخالق العظيم جعلها تتوالد في دورات تعتمد على الأرقام الأولية، أي أنها تختفي لفترة طويلة ثم تظهر بعد 13 أو 17 سنة. وهذان الرقمان الأوليان لا يقبلان القسمة إلا على نفسهما وعلى الرقم 1 فقط لا غير. تخيل هذه الحكمة العجيبة. وللعلم فلا يعلم أحد هذه الأسرار الرياضية العجيبة إلا الله عز وجل، ويعتقد البعض أنها إحدى نعم الله ليلطف بحماية هذه الحشرة من أعدائها الذين لا يتميزون بهذه الوتيرة في منظومة تكاثر أجيالهم، وعندما يحين وقت تكاثر «الزيز» تخرج بالملايين من تحت الأرض وتتحدى أعداءها لأنهم مهما هاجموا وأكلوا منها، ستستمر في مسيرتها بأعدادها الرهيبة وبصفافيرها المميزة الفريدة مهما كان موال من يتحدوا دورة حياتها. ولكن هذه الدورة العجيبة ليست هي الوحيدة التي تذهلنا، ففي عالم الأسماك نجد عالم «السالمون» الذي يبدأ حياته في المياه العذبة في الأنهار، وعندما يصل حجمه إلى حوالى العشرة سنتيمرات... طول حوالى تسع كلمات في هذا السطر... يبدأ بهجرة طويلة نحو المحيط حيث يعيش ليكتمل حجمه، ويتغير شكله، ويبقى لمدة تصل إلى حوالى ألف يوم، ثم يعود إلى نقطة البداية ليتوالد ثم يموت بمئات الآلاف. وهذه الدورة مذهلة بجميع المعايير المنطقية. تخيل مقدار المخاطر الذي تتعرض له هذه الأسماك الجميلة أثناء دورة حياتها، وتأمل في ألطاف الله عز وجل الذي يكتب الأرزاق بحكمته الواسعة ضد المواويل التي تعترض مسيرة الكائنات. وفي عالم البشر أيضا نشهد بعض الظواهر العجيبة التي يصعب فهمها. دورات عجيبة لا تخضع بشكل مباشر لتفاسير منطقية: تخيل مثلا أن كل عام في غرة شهر رجب يتقاعد آلاف البشر في وطننا، وليس لدينا استعداد كاف ولائق للاستفادة من خبراتهم الثمينة في المجالات المختلفة. أول شهر رجب تاريخ مهاب للكثير منا. ولكن الموال الذي نعيده ونزيده هو: لنجد حلولا لتحدي المتقاعدين. وهناك المزيد من الدورات المقلقة، بل وبعضها مخيفة ومنها مثلا القرارات التي تؤخذ في الساعات الأخيرة في آخر يوم دوام رسمي قبل الإجازات. التحدي الكبير هنا هو أن العديد من العقول ستكون فعليا قد بدأت الإجازة، وبالتالي فاحتمال مرور العديد من القرارت غير الصحيحة سيكون أسهل أثناء تلك الفترة الحرجة التي تكثر فيها التجاوزات والأخطاء، والأنس (بضم الهمزة طبعا). واليوم أصبحت بعض التحذيرات الخطيرة أشبه بالمواويل لأن العديد من البشر لا يريدون أن ينصتوا إليها. أنظر في أوضاع فلسطين، ولاحظ أننا حتى لو وضعنا الأمور السياسية على جانب، فستجد أن الأوضاع الإنسانية غير مقبولة حتى لو كنت من كوكب آخر وقررت أن «تطل» على معاملة البشر لبعضهم البعض على كوكبنا. المعاملة اللا إنسانية تزداد سوءا كل يوم، ويمضي العالم في انشغالاته اليومية، وكأن موضوع الظلم لا يخص الإنسانية بأكملها، وكأن المناداة بالعدل قد أصبحت ضمن المواويل المتكررة. أمنية مواويل كثيرة نسمعها، ونرددها ولكن العديد منها تستحق أن نعطيها حقها من التأمل والتفكير. أتمنى أن تحظى على اهتمامنا بشكل يليق بأهميتها. وأتمنى أن لا تكون هذه الأمنية نفسها هي أحد المواويل المكررة. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة