تتسارع الأحداث (للأسف) بوتيرة واضحة فيما يختص بالمشاريع العامة وإدارة مرافقها في كافة مناطقها الرئيسية، فهنا يتم رصد انحرافات في تنفيذ المشاريع، وهناك يسقط جسر بسبب سوء التنفيذ، وفي مواقع أخرى تأخير في تنفيذ المشاريع أو سوء إدارة وتنظيم لأحد المرافق العامة، وهكذا تتوالى الأخبار في صحفنا المحلية، بأخبار وعناوين مختلفة تلتقي جميعها في المضمون ومفاده أن هناك مشكلة في مسألة التنسيق والترابط الإداري. ولعل الأحداث التي حصلت في جدة والرياض وما تبعها في مناطق أخرى انتهاء بما يحدث الآن في مطار جدة من تكدس للمسافرين والقادمين، وتعطيل للرحلات وما إلى ذلك من الأمور الأخرى في غياب المحاسبة والردع لمثل هذة التصرفات خير دليل على ذلك. وبما أن القانون الإداري بجانب كونه قانونا قضائيا إلا أنه أيضا قانون إجرائي كونه يحدد اختصاصات الإدارة، ويحدد المهام والمسؤوليات وحدود السلطة لكل منشأة وأساليب التفويض فيها وطبيعة المرافق العامة، التي تنطوي تحت مظلة الحكومة، ويحدد بشكل دقيق علاقة هذة الأجهزة ببعضها البعض، وأدوارها في خدمة المجتمع والقطاع الخاص للنهوض بالمستوى الاقتصادي للدولة من جانب، ورفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والصحي للمجتمع من جانب آخر. والحقيقة الماثلة أمامنا على أرض الواقع أن دول العالم الأول المتطورة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا من خلال وضوح وجدية قوانينها الإدارية التي تقود برامج ومشاريع الإدارة فيها، وما تتمتع به من مرونة كافيه لإبراز ملكات الإبداع والابتكار الإنساني في شتى المجالات، والنظر للمستقبل بروح التحدي والتفاؤل بحياة كريمه تؤطرها مبادئ العدالة والمساواة في إتاحة الفرص المهنية للجميع دون أي تمييز. ومن الملاحظ على أرض الواقع للكثير من المختصين والباحثين وأساتذة الجامعات داخل المملكة وخارجها، والمهتمين من الكتاب والنقاد والمواطنين أن المبادئ والأسس والقواعد التفصيلية التي تنظم الكثير من أعمال الإدارة، كثيرة جدا، ومتشعبة فيما بين الأنظمة واللوائح والقرارات الإدارية، ويصعب السيطرة عليها كتطبيق إجرائي وخدماتي في المقام الأول، وكتطبيق رقابي لما يتم إنجازه أو القيام به في المقام الثاني، وأصبحت الكثير من الضوابط الإدارية والمالية الخاصة بأعمال الإدارة ممركزة أكثر مما يجب، ومتجاوزة زمنيا وغير متماشية مع الكثير من التطلعات المستقبلية بسبب القِدم والقصور والتداخل فيما بينها، ولا تستجيب في الكثير من جوانبها لأسس ومعايير الإدارة الحديثة للتنمية أو مواجهة الانحرافات الإدارية والمالية المستجدة، بل ويصعب حتى استيعابها في الكثير من جوانبها وإشكالياتها المثارة من قبل القضاة المختصين أثناء عملية الفصل في القضايا المعروضة لديهم مما يؤثر على طبيعة الأحكام الصادرة بشأنها، وهذا ما ساعد على انتشار وبروز الكثير من المشاكل والقصور وعدم الفهم الصحيح لجوانب ومتطلبات التنمية المستدامة، ومعالجة الانحرافات التي تندرج ضمن مفهوم الفساد الإداري بكل أشكاله، والتي ساهمت في وقتنا الحاضر بشكل واضح ومباشر في تعطيل الكثير من المشاريع الحيوية في المدن والقرى والهجر التابعة لها، وإهدار مبالغ ضخمة في مشاريع غير مجدية، حيث مازال مفهوم الإرادة الفرديه للغالبية من الموظفين والقياديين مسيطرا على مفهوم الوظيفة العامة، حتى إنه طغى على مفهوم الإدارة العامة وحقوقها في الكثير من المواقع المهنية، مما أصابها بالهرم والشيخوخة والتثاقل في الحركة لمواجهة السلبيات الواقعة على المجتمع، نتيجة الانحرافات للعديد من بعض أجهزتها الإدارية وخير دليل على ذلك ما أشارت إليه تقارير ديوان المراقبة العامة في عدة مناسبات، ومن المفيد هنا القول إن المعيار الحقيقي لحيوية ونشاط الإدارة العامة هو مدى التفاعل بين هذه الأجهزة الإدارية المكونة لها وقانونها الإداري من حيث الوضوح والموضوعية، ومناسبته الزمانية لواقع الإدارة العامة وأنشطتها المحلية والإقليمية والدولية ودقة التطبيق، والسرعة المناسبة لنجاعة الرقابة على أعمال هذه الإدارة بكل مكوناتها وأنشطتها، فإما أن تكون الإدارة العامة قوية وتتمتع بحيوية ونشاط وحركة مستمرة ودائبة ومتجددة نتيجة لتفاعل الإدارة مع قوانينها التي تلبي احتياجات المجتمع، وتقوده للإنتاج والإبداع والابتكار في شتى مجالات الحياة المعروفة، وإما أن تتسم بالمركزية المتشددة والمميتة التي لا تستجيب لعامل الزمن بالنسبة للأداء، وبالتالي لا تستجيب لمعايير التنمية والإبداع والابتكار الإنساني بمفهومه الواسع، مما يجعلها تتسم بالهرم وبطء الحركة والتخلف عن مسايرة المستجدات المحلية والدولية بكل تفاعلاتها، وعدم المصداقية فيما تقوم به من أداء مهني أمام زوارها، وبالتالي ينعكس ذلك سلبا على الشأن الداخلي في شتى مناحي الحياة المعروفة (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والصحية والتربوية). وعلى هذا الأساس لا بد من مراجعة القانون الإداري بكل جوانبه، وإخضاعه للتعديل بما يضمن صلاحيته للمعطيات الحالية، وإمكانية مراجعته وتعديله على فترات زمنية مناسبة تستجيب للواقع المهني والتنموي. [email protected]