جبلت نفوس البشر على محبة الرجل الكريم الذي يبذل ماله للفقير والمحتاج ويسعى لسد حاجات الضعفاء وينفق على الأرملة واليتيم. وكان الناس دائما يفرحون لفرح مثل هذا السيد المنفق ويحرصون على مشاركته فرحه من باب المحبة والعرفان بالجميل والاعتراف بالفضل. كان هذا هو شعور شرائح كبيرة من شرائح المجتمع السعودي عندما بلغتهم دعوة الأمير الكريم الوسيم عبد العزيز بن فهد لحضور زفافه على الأميرة العنود بنت فيصل بن مشعل ولذلك لبى الناس تلك الدعوة العامة التي يصح عليها قول الشاعر العربي : نحن في المشتاة ندعو الجفلا ***** لا ترى الآدب فينا ينتقر فالشاعر هنا يفتخر بأنه من قبيلة، إذا جاءت الليالي الشاتية بقسوتها وبردها وجوعها فإنهم يدعون الجفلا ( أي عامة الناس ) فلا ترى صاحب المأدبة ينتقر ( أي : ينتقي أفرادا يكرمهم ) وهذه هي قمة الكرم الحاتمي ونبل الأخلاق العربية الأصيلة. لم أكن أرى في مجتمعنا السعودي حماسا كبيرا لزواج المشاهير كما يحدث في العالم الغربي، إلا أن الأيام السابقة ليوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر محرم كانت مختلفة، فكل الأصدقاء أخبروني أنهم ذاهبون لزفاف العصر الذي أعاد لذاكرتي زفاف العصر البريطاني بين الأمير تشارلز والأميرة ديانا في عام 1981، وحتى أن بعض الأصدقاء الذين يربطني بهم عمل متأخر نبحث له عن موعد نحشره في جداولنا قالوا إن يوم الثلاثاء خارج الحسبة فهو يوم زواج عبد العزيز بن فهد والكل يريد أن يذهب للزفاف. وكأن الشارع قد أجمع على أهمية حدث واحد ليعلن فيه عن رغبة عميقة في المشاركة بكلمات ودعوات وصور حب ولوحات وفاء معروفة ومشهودة بين السعوديين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالسعوديين والأسرة المالكة، فالحب هنا بحر لا تنقطع أمواجه ولا تهتز أركانه. لقد احتفل الشارع السعودي بكافة فئاته بموكب فرح يحمل عريسا شابا نشأ أول ما نشأ، سياسيا محنكا من خلال مرافقته لوالده الملك فهد، إلا أن السياسة لم تشغل عبد العزيز بن فهد عن تلمس حاجات مجتمعه، والفاعلية في النشاطات الاجتماعية، وبهذا تشهد الجمعيات الخيرية ولجان أعمال البر، كما تشهد بذلك أعداد غفيرة من الأسر المتعففة وأيتام، كانت لعبد العزيز بن فهد اليد الحانية التي مسحت على رؤوسهم تبتغي الأجر من الله. اليوم ونحن نرى عبد العزيز بن فهد عريسا، تمر بذاكرتنا صور جميلة من الأمس القريب ليست بالبعيدة، فنحن نتذكره عندما كان طفلا يمسك بيد والده الملك فهد بن عبد العزيز غفر الله له، نتذكره وهو في أول صفوف المتطوعين في جيش الوطن أثناء حرب الخليج، وها نحن اليوم نفرح به عريسا، وليس هذا آخر الأفراح. من كرم هذا الإنسان النبيل أنه لم ينشغل عن المحتاجين حتى في ليلة زفافه على عروسه وفرحته بليلة عمره. كل هذا لم يشغله عن الإحساس بالآخرين ومنحهم عنايته، فقد تكفل بتكاليف زواجات جماعية لأكثر من ألف يتيم ويتيمة في كافة أرجاء المملكة وكأنه يأبى إلا أن يقتسم الفرح مع أبناء وطنه الذين كان لهم كحاتم الطائي في زمانه، وهذا هو حال الكريم، لا يحسن أن يأكل وحده. لقد كانت ليلة عظيمة والفرح انتشر أريجه وطيب عبقه عبر الأثير في تلك الليلة. فرح لم يكن لعبد العزيز بن فهد وحده، بل لمسناه فرحة في عين الفقير قبل الغني ولدى الصغير والكبير. لقد جاء نجاح عبد العزيز بن فهد كبيرا لأنه يفعل ما يفعل بدافع الحب المتدفق من روحه وبسبب إيمانه العميق بضرورة هذا التواصل مع الناس وقد نجح لأن أهم خصاله الكرم، فمن كان كريما في عاطفته كان كريما في شأنه كله. الكرم لا يمكن تمثيله ولا افتعاله. هو شيء فطري غريزي تماما.