مررت قبل وفاته بعدة أيام للسلام عليه، وعندما هممت بالمغادرة سألني: هل قرأت كتابي عن السيدة خديجة رضي الله عنها، أجبته: لا، فطلب من مدير مكتبه أن يزودني بنسخة منه، لأبدأ في قراءة ذلك الكتاب الذي يتحدث عن أعظم امرأة في تاريخ الإسلام. دار في مخيلتي هذا الموقف قبل أيام، الراحل الغالي على أغلبنا محمد عبده يماني، مع أنه كان في بالي عند دفنه في نفس المربع الذي يحوي قبر السيدة خديجة رضي الله عنها، لتطبع كلمات مقدمة كتابه في مخيلتي مباشرة، عندما قال فيها: «أكتبه من وحي الحب، والإيمان، والجوار»، لتشأ مقدرة الله أن يدفن إلى جوارها، بعد أن أوصى بذلك. هذه المنزلة التي حباها الله لعبده محمد عبده يماني، بما أكرمه الله من حب الخير لكل الناس، يجعلني أذكر حديثين شريفين، الأول حول ما متعه الله من حب للناس، في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يحشر قوم من أمتي يوم القيام على منابر من نور، يمرون على الصراط كالبرق الخاطف، نورهم تشخص منه الأبصار، لا هم بالأنبياء ولا هم بالصديقين ولا الشهداء، إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس». والثاني بما منحه الله من حب الناس له خاصة بعد مماته، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر بجنازة فأثنى عليها خيرا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت، وجبت، وجبت»، ومر بجنازة فأثنى عليها شرا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت، وجبت، وجبت»، قال عمر: فداك أبي وأمي، مر بجنازة فأثني عليها خيرا، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت، ومر بجنازة فأثني عليها شرا، فقلت: وجبت، وجبت، وجبت؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض». مواقف الراحل الخيرية والإنسانية عديدة لا يمكن إحصاؤها في عجالة، لكني سوف أذكر موقفا واحدا، حصل أمامي منذ بداية تعرفي عليه قبل عشرة أعوام؛ وهو أن رجلا مسنا، جاء للراحل في مكتبه يطلب مساعدته في تزويج ابنه، فحرر له موظف الاستقبال طلبا بذلك، وما أن أكمل الطلب حتى يسقط الرجل ميتا، ليتزامن ذلك مع دخول الراحل إلى مكتبه، ليعطي تعليماته لرجال مكتبه بتلبية حاجته بعد مماته، فزوج ابنه، ومن قبل تكفل بمصاريف دفنه وعزائه، وإعانة شهرية لأسرته. فمن الطبيعي أن يثني الناس خيرا على الراحل محمد عبده يماني، في حياته وبعد مماته، ومن الطبيعي جدا أن يزدحم سرداق عزائه بكافة طبقات المجتمع، الغني والفقير، الأمير والوزير، الصغير والكبير، المتعلم والجاهل. ونحن نتذكر الرجل، نسأل الله له العفو والرحمة والمغفرة، وأن يبارك في ذريته.