لا جدال أن كل عام يمر تزداد فيه محصلة الحوادث المرورية عن سابقه، لا بل وتزداد شناعتها. السؤال: ماذا فعلنا لمواجهة هذا النزف البشري الذي حصد ويحصد الكثير من شبابنا، زد على ذلك ما يخلفه من تداعيات على الأسرة بشكل خاص (أيتاما، أرامل، معوقين) والبنية الاجتماعية بشكل عام، أقول كل ما عملناه وما زلنا هو توزيع المسؤولية وكيل الاتهامات هنا وهناك، فتارة نتندر على إدارات المرور (حتى بعد تطبيقها لنظام ساهر)، وتارة نتهم وسائل الإعلام بالتقصير وإخفاقها في وضع استراتيجية توعوية تسهم في الحد من نسبة الحوادث وما برحنا نتبادل الاتهامات حول (البيضة والدجاجة) الحقيقة التي لا مراء فيها أن تلك الإشكالية لا تعالج بسن أو تطبيق قوانين صارمة من قبل إدارات المرور، ولا حتى بنداءات أو شعارات توعوية (معلبة) يدبجها الجهاز الإعلامي عبر وسائله المختلفة وإن كنا لا ننكر أهمية ذلك، لكن تبقى تلك الوسائل والتدابير محدودة التأثير في الحد أو التقليص من الحوادث المرورية. قد يقاطعني أحدهم متسائلا وبشيء من الاستنكار: كيف يمكن التقليل من أدوار المرور والإعلام وهما جوهر الموضوع وقوامه. أكرر لست في وارد التقليل من شأن المرور والإعلام فمن العبث ذلك، لكن غاية المقصد أن ثمة آلية تسبقهما يجب التعويل عليها وهي الأسرة، نعم إن دور الأسرة كبير ويجب أن يكون الأرضية الأساسية ونقطة الانطلاق في هذا الشأن، والمؤسف أننا لم نعرها الاهتمام، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنه من دون التركيز على الأسرة لن يكون للمرور ولا الإعلام أي أدوار تذكر بل لن يقدرا على تأدية أدوارهما بالشكل المبتغى، بوصفهما مكملين ورديفين لدور الأسرة، والدليل على صحة القول إن المرور والإعلام جنبا إلى جنب لم يقويا بالفعل على التقليل من نسبة الحوادث لسنوات مضت. الملاحظ والمتفق عليه أن هناك اطرادا وتعاظما في نسبة الحوادث، حيث تشير الإحصائيات المرورية إلى أن المملكة تعد من أعلى الدول في نسبة الوفيات جراء حوادث السيارات، والشيء نفسه ينسحب على الإصابات المعيقة، وهذا يعني فيما يعني أن ثمة عطلا وليس خللا في أسلوب وآلية المعالجة المرورية، وفي السياق أود إثارة بعض التساؤلات: كم واحدا منا استوقفه حادث مروري وتصادف وجود أبنائه معه وأخذ يشرح لهم أن هذا الحادث نتيجة للسرعة الزائدة أو عدم التقيد بأنظمة المرور؟ وكم واحدا تعمد الوقوف أو الذهاب عنوة قاصدا لسيارة مهشمة لذات الغرض؟ واستطرادا: كم واحدا اصطحب أبناءه أو أحدهم لقسم الحوادث في أحد المستشفيات ليتعرفوا ويشاهدوا عن قرب إصابات الحوادث المرورية، لتحسس واستشعار (بشكل مباشر) أمارات المعاناة والندم الكظيم لما وصلوا إليه جراء التهور. ومن المهم التذكير أن هذا التوجه له أكبر الأثر في ردع شبابنا كإجراء استباقي، وتكمن أهميته في ملامسته للواقع من خلال مشاهد حية وخصوصا لناحية من هم في سن وشيكة من امتطاء المقود. واقع الأمر يجب أن نعترف أننا لا نشعر بالقدر الكافي بحجم المسؤولية على عاتقنا في هذا الجانب، كأننا بعيدون عنه وكأن ما يحدث حولنا لن يحدث لنا، وكل ما يشغل تفكيرنا هو كيف نوفر لابننا (سيارة) ونكتفي بتعليمه قيادتها، ناسين أو متناسين أنها قد تكون النعش الذي يحمله لمثواه الأخير، وقد يجلب معه أبرياء لا ذنب لهم سوى أن قدرهم شاء أن يكونوا ضحية هذا الطائش أو ذلك المتهور طبقا لقول الشاعر: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم من هنا نصل للقول إن دور الأسرة هو الأهم والنواة الأولى في غرس وتكريس المفاهيم (من المشاهد اليومية) التي تجنب أبناءنا التهور وعدم المبالاة، وتجعلهم أكثر تقيدا بأنظمة السلامة وأكثر توجسا وحرصا (مستداما) في التعامل مع هذه الآلة، بوصفها أي السلامة المرورية نسقا قيميا من جملة القيم الاجتماعية والتربوية. أكيد أن ذلك سوف يأخذ وقتا وربما سنوات لأننا نربي جيلا جديدا فلا مجال للتلكؤ أو التقاعس فلنبدأ من الآن، فمن دون هذا المنحى لا تعدو المحاولات والتدابير أن تعيد استنساخ طبعات منقحة وإن شئت مرشحة للإخفاق تلو الإخفاق. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة