يستهويني كثيرا التخصص الأكاديمي العميق في أي علم من العلوم، وأرى أن المتخصص في جدول من أنهار العلم أو نقطة من بحوره هو الأجدر بأن يكون المرجع فيه دون غيره من الأقل تخصصا، بل إنني أرى أنه إذا وجد المتخصص العميق فإن الأقل علما يحق له الحديث في الموضوع بصيغة الاستفهام وليس الجزم وبصيغة السؤال وليس الإفتاء، مؤيدا المقولة الشهيرة (لا يفتى ومالك في المدينة)، فمن المؤكد أن في المدينة طلاب علم أو علماء لكنهم لا يفتون إذا وجد الأكثر منهم علما وتخصصا وهو مالك. وتعصبي للتخصص الأكاديمي يشمل كل العلوم والتخصصات بل كل فروع العلوم الدقيقة، وقد يعود هذا الشعور إلى أنني أمضيت جزءا غير يسير من عمري في جامعة الملك سعود طالبا ثم معيدا ثم محاضرا وباحثا، شهدت خلالها أمثلة لاحترام التخصص في الفروع الدقيقة، فكل أستاذ تعتقد أنه المتخصص في مجال سؤالك والجدير بإجابته يحيلك إلى من هو أعلم منه، فلا أحد يتجرأ على تخصص الآخر، ليس خوفا ولا بروتوكولا جامعيا ولا (اتيكيت) أكاديميا، بل قناعة واحترام للتخصص وللنفس أولا. حضرت محاضرات كثيرة واستمعت إلى حوارات علمية أكثر ولقاءات إذاعية ومتلفزة مع علماء في كثير من التخصصات التي تهمني كإنسان وكراغب في الاستزادة، لكنني لم أسمع في حياتي واستماعاتي وحضوري ومشاهداتي قط استشهادا بعدد من المراجع والكتب بعناوينها كاملة وأسماء مؤلفيها يفوق العشرة في كل موضوع ويفوق ال100 خلال حديث استغرق نصف ساعة فقط؛ إلا في برنامج الدراسات القرآنية في إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية. وكان الحوار مع الأستاذ الدكتور بدر بن ناصر البدر أستاذ الدراسات العليا في كلية علوم الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حول التفسير التحليلي للقرآن الكريم تحت عنوان (التفسير التحليلي عناصره ومراجعه). وحقيقة فقد أبهرني أسلوب الشيخ الأستاذ الدكتور بدر بن ناصر البدر وقدرته الفائقة على سرد مراجع كل كلمة يعرج عليها، والاستشهاد بأكثر من عشرة مراجع بالعناوين والأسماء حفظا عن ظهر قلب، كما يبدو من سلاسة الإلقاء دون قراءة (ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، وهي دلالة تمكن فائق اضطرت المقدم الدكتور يوسف العقيل للتنويه عن عدم حاجته لطرح سؤال. الأهم من تمكن وحضور هذا المتخصص واستشهاده بالمراجع هو العمق اللا نهائي لبحر الدراسات القرآنية، والدقة المتناهية في مناهج التفسير سواء التفسير بالمأثور أو بالمعنى، وأنواع التفاسير من موضوعي وتحليلي وإجمالي وعلمي وتطبيقي وتفسير ميسر.. إلخ، وكيف أن الحديث عن نوع واحد من أنواع التفاسير استدعى خلال أقل من نصف ساعة الاستشهاد بأكثر من 100 مرجع ومؤلف، واستنباط اتجاه كل واحد منها وما يركز عليه من المعاني والدلالات والأهداف والمناسبات للوصول إلى تفسير آية أو إدراك معنى كلمة، بقصد استخراج واستنباط الأحكام الشرعية والوصول إلى مقاصد المشرع من نصوص القرآن. الأهم من هذا وذاك أننا إذا تشددنا في اشتراط توافر التخصص العميق في كل من يحق له الحديث في علم من العلوم (كيمياء، فيزياء، طب، ذرة) وطالبناه بالتأهيل مرة، فإننا يجب أن نشترط التخصص والتأهيل 1000 مرة في من يحق له الخوض في العلم الشرعي؛ لأنه بحر عميق متلاطم لا تنفع فيه السباحة متحزما بإطار منفوخ بمقال. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 262 مسافة ثم الرسالة