والدي العزيز.. أنا لا أكتب اليوم لأرثيك.. لأن لساني ومفرداتي تعجز عن ذلك.. ولكن منذ أن رحلت عنا وأنا أفكر.. ما هو سر توفيقك ونجاحك وقبولك عند الناس ؟؟.. نظرت إليك نظرة الابنة تارة.. وتارة أخرى نظرة إنسانة عادية احتاجت إليك كثيرا.. وكنت دائما قريبا منها.. تساعدها بكل ما تستطيع.. ليس لمجرد أنني «غالية» ابنتك.. ولكن لأنك اعتدت معاونة الجميع. فكرت كثيرا إلى أن وصلت إلى حقيقة واضحة.. وهي أنك عشت بهذا الدين الحنيف وفهمت أنه أسلوب حياة.. فحفظت الله فيه وتوجهت إليه بكل جوارحك فحفظك وكنت دائما قريبا منه.. من الله وإلى الله.. عاملت الله في كل شيء.. أرضيت والديك لله.. أحببت أمي لله.. أحسنت تربيتنا لله.. أكرمت الضعفاء لله.. حتى أنك خاصمت.. وصالحت.. وضحكت.. وبكيت.. وأكلت.. وشربت لله.. تعبد الله كأنك تراه.. فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. فأحسنت وأخلصت له في كل أفعالك. قلبك الحنون كان دوما عامرا بذكر الله.. وجسدك الفاني كان دوما منشغلا بخدمة تلك الإرادة والعزيمة التي لا تتوانى عن خدمة الناس كبارا وصغارا.. أغنياء وفقراء.. نساء ورجالا .. فقد كنت أراك كثيرا ما تذهب إلى ثلاثة أعراس وعزاءين في ليلة واحدة.. ثم تعود بعدها إلى المنزل وأنت ترسم ابتسامة حب واشتياق لوالدتي ولنا.. وتنادي كل واحدة منا باسم اخترته أنت لها : «طمطم قلبي» .. «غلو حبيبتي» «سوسو ابنتي الرضية» .. ثم تأتي رفيقة دربك .. وحبيبة قلبك «أم ياسر» لتمتص عناء يوم كامل بنظرة حب منها لك.. فتجلس معنا متلهفا لسماع أخبارنا ومزاحنا تارة .. ومشكلاتنا تارة .. والله ما تلك الطاقة بطاقة إنسان عادي.. وإنما هي بركة ومدد من الله في صحتك وعافيتك وهبها الله عز وجل لك لأنك صدقته فعلا فصدقك.. وحتى في أصعب لحظات حياتك.. لحظة فراقك لنا.. كنت مشتاقا لرؤيته.. فاشتاق لرؤيتك.. أحببت لقاءه ومجاورة بيته الحرام.. فأحب لقاءك.. فهنيئا لك يا والدي.. ومعلمي.. وحبيبي.. أدعو الله أن تتنعم بالنظر لوجهه الكريم.. وأن تكون في جنات النعيم.. بصحبة حبيبك ومعلمك وقدوتك سيد البشر أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه الكرام أجمعين.. والحمد لله رب العالمين. ابنتك غالية محمد عبده يماني.