إن كانت زوجتك نكدية ولا تطاق فلا تغضب كثيرا، في القريب العاجل سيكون بوسعك ترك الأرض لها بما عليها علها تتعظ وتدرك معنى أن يهجرها بعلها بلا عودة!. وإما إن كنت تخطط عزيزي الرجل أن تقضي وقتك مع حبيبة العمر الجديدة بعيدا عن أنظار الفضوليين والمنغمسين في شؤون الغير بلا ملل ولا تعب، وتخشى أن يكشف أمرك وأنت البطل في عيون المجتمع والرجل المثالي في عقل كل من تعمل مع وتقابل على قارعة الطريق، بل إن كنت الفارس الهمام في مخيلة القريب والبعيد على حد سواء، وذاك الوقور الذي امتلأ شيبا ووسامة وهيبة، وتخشى ضياع الصورة وفقدان المجد الواهي، فهناك حل لكل تلك الهواجس والوساوس. وفي الحقيقة ليس في الأمر ثمة محاولة انتحار أو انتحال شخصيات وتزوير جوازات دبلوماسية، أو خطة محكمة للفرار من الحياة برمتها، إنما هو مشروع أتى على أكتاف ناسا وما أدراك ما ناسا؟. فقد قامت الشركة الرائدة في عالم الفضاء الأمريكي بالإعلان الأول عن برنامج إعداد مكثف لأول مبنى سياحي على القمر!، بوسع السياح قريبا أن يمضوا قرابة الستة أشهر بعيدا هناك بين أحضان القمر، في منأى عن كل الهموم وعن كل الزوجات ونظراتهن وأصواتهن ومشاكستهن التي لا تنتهي.. بل سينسون ثرثرتهن في أوقات الذروة التي تكدر النفس والخاطر بلا رادع.. سيحدث كل هذا بعيدا عن الأرض بتلوثها وجفافها وفيضاناتها وسيولها.. وفسادها الذي استشرى، بل وبعيدا عن الأصوات الغنائية النشاز التي قتلتنا وهي تغني للقمر وجماله والقمر من نشازها يعاني في صمت ولا يبالي برعشة الأجساد المكهربة!. أما إن كنت من العشاق الحيارى، فبوسعك أخيرا أن تمضي مع حبيبتك الجديدة إلى القمر، وأن تمشيا سويا على أرضه التي تغزل فيها الشعراء دهورا وذاب المحبون تحت ضيائه منذ فجر التكوين إلى اليوم.. بوسعك أن تسير وتهرول وتغني وترقص، على أن تأخذ في الحسبان موقعك الجديد في خارطة الكون، مغيرا البوصلة، فأنت الآن تمشي على القمر، وتشير بإصبعك إلى الأرض المتعبة المنهكة!. والقصة على سخريتها، إلا أن أبلغ دليل على واقعيتها هو لهفة رجال الأرض المنقطعة النظير للمغادرة، بعد أن بلغت تبرعاتهم حول العالم لمشروع ناسا الواعد أرقاما فلكية، وذلك حين تم الإعلان عن فتح باب المساهمات المالية، في حين خلت القائمة من اسم مؤنث واحد!!. على أية حال، تبقى رحلة القمر الفريدة متاحة فقط للأثرياء، حيث إن قيمة التذكرة للشخص الواحد تعادل ثروة .. لذا فإن لم تكن ثريا، وثريا جدا يبقى أمامك حلان لا ثالث لهما.. إما أن تبحث عن حبيبة من أغنياء الأرض حتى تأخذك إلى القمر على حسابها الشخصي وتبقى مذلولا مدحورا طيلة العمر وعلى القمر.. أو أن تذهب وتقبل يدي وقدمي زوجتك وتعيش منصاعا ذليلا على الأرض.. خياران أحلاهما مر!!. ما بين ناسا المذهولة لسرعة التجاوب الرجالي وما بين قرار رجال الأرض الذين سئموا الأرض ومن عليها، تبقى الأسئلة تدور في مخيلتنا.. ما ذنب القمر الجميل أن يتحمل مآسينا القادمة، ونفاياتنا التي نلوث بها كل مكان وزمان، وهذيان عقولنا المريضة، ورداءة سلوكنا وجشع الإنسان؟! تجربة مثيرة، وردة فعل محيرة جراء بحث الرجل المستعر للهجرة من كوكبنا العامر إلى القمر أو المريخ، وبقاء المرأة متمسكة بالحياة على الأرض.. ترى، أيستطيع القمر الساحر بعد كل هذا التاريخ أن يهذب سلوكياتنا الشرسة، والتي ظلت الهاجس لمليارات البشر خلال ملايين السنين، أما ترانا سننعى القمر قريبا بعد أن نطعنه آلاف الطعنات، كما حولنا الأرض قبله إلى ساحات حروب وأطماع؟!. هل يا ترى بوسع ناسا حقا أن تحفظ الأمن بعيدا هناك.. السؤال يحتاج إلى إجابة، والإجابة ستأتي عن طريق ناسا العبقرية وأفكارها الكارثية.. منك لله يا ناسا!!. دمتم ودامت أوطاننا بخير .. على الأرض.