تكالبت صروف الدهر على المسنة جميلة درويش، واستغرقتها ضرورات الاعتناء بأسرة بتمام أعضائها السبعة في منزلها الآيل للسقوط في حي البخارية الشعبي جنوبي جدة. تجلس يوميا أمام الفرن (الميفا)، تصنع بيديها النحيلتين الخبز (العيش الحامض)، الذي يطلق عليه (الخمير). امرأة أرهقها شلل زوجها النصفي، فضلا عن مسؤوليات ستة أفواه مفتوحة تطعمهم اليسير من القوت. جميلة تناهز السبعين من عمرها، بيد أنها ظلت بمثابة القلب الذي ينبض بالحياة في منزل يغرق في السكون، لتبيع خبزها بثمن بخس على الأهالي في الجوار، وممن يساعدونها -أحيانا- في تسويقه على المحال التجارية وسط الحي. وعندما تخبز جميلة عجينها، وتمد يدها إلى (الميفا)، يظهر بوضوح أثر المعاناة على وجهها المتغضن وجسدها المبتل جراء حرارة الفرن. لم تستسلم للفقر، بل كرست ما تبقى من حياتها لزوجها المقعد وأطفالها الثلاثة وبناتها الست. عن حياتها ومعاناتها تقول جميلة: «أكافح يوميا أمام نار الميفا لأصنع بيدي الخبز الحامض، ثم أبيعه على عدد محدود من الزبائن في الحي، بمبلغ يكفيني وأسرتي ويعينني على ضروريات الحياة من إيجار منزل وفاتورة كهرباء وغيرها». ورغم تماسك العجوز، إلا أنها تعاني في غضون ذلك من شدة الحر المنبعث من لهيب الفرن، الأمر الذي أثر بشدة على عينيها حتى ضعف بصرها، وهناك أيضا ما يعكر عليها صفو حياتها. (التفاصيل في الطبعة الورقية)