تجلس العجوز جميلة درويش يوميا أمام الميفا «الفرن» في منزلها المتهالك في حي البخارية الشعبي جنوبجدة، تصنع بيديها النحيلتين الخبز الحامض الذي تطلق عليه «الخمير»، حاملة بذلك همّ أسرتها، ومسؤولية زوج أقعده الشلل النصفي وثلاثة أبناء وست بنات. ورغم أن جميلة تناهز السبعين من عمرها، إلا أنها تظل بمثابة القلب الذي ينبض بالحياة في منزل يغرق في السكون، لتبيع خبزها بثمن بخس على الأهالي المجاورين، والذين يساعدونها أحيانا في تسويقه على المحال التجارية وسط الحي. وعندما تخبز جميلة عجينها، وتمد يدها إلى الميفا، يظهر بوضوح أثر المعاناة على وجهها المنكمش وجسدها المبتل من أثر حرارة الميفا، فهي لم تستسلم للفقر، بل وهبت ما تبقى من حياتها فداء لزوجها المقعد وأطفالها الثلاثة وبناتها الست. عن حياتها ومعاناتها تقول جميلة: «أكافح يوميا أمام نار الميفا لأصنع بيديّ الخبز الحامض، ثم أبيعه على عدد محدود من الزبائن في الحي، بمبلغ يكفيني وأسرتي ويعينني على ضروريات الحياة من إيجار منزل وفاتورة كهرباء وغيرها». وتضيف جميلة: لدي اثنان من أبنائي الذكور قد تخليا في ظل عوزهما واستقلالهما بأسرتيهما تماما عني، وابن ثالث يقبع خلف القضبان، فلم أجد بدا من أن أشمر عن ساعد الجد، وأنا في هذا العمر بدلا من أن أمد يدي للناس طلبا للمعونة أو المساعدة، وذلك حتى أوفر لقمة العيش الكريم لأسرتي، ما حولني لامرأة منتجه تتطلع لتوفير قوتها اليومي وقوت عيالها. ورغم تماسك العجوز، إلا أنها تعاني في غضون ذلك من شدة الحر المنبعث من لهيب الفرن، الأمر الذي أثر بشدة على عينيها حتى ضعف بصرها، وهناك أيضا ما يعكر عليها حياتها، ويفاقم معاناتها إذ تخشى على منزلها الشعبي المتهالك جنوبجدة من أن تجرفه السيول مثل ما حدث العام الماضي في قويزة حسبما قالت ، ما يتهدد أفراد أسرتها بالتشرد والمبيت في العراء، خصوصا أنها لاتملك في ظل حالة الفقر التي تعيشها ما يكفيها لترمميه وصيانته.